سبق عرض جوانب من صبر النبي صلى الله عليه وسلم وامتثاله أمر الله سبحانه وتعالى له بقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} فكان سيد الصابرين في جميع أحواله، ومن أهم جوانب صبره عليه الصلاة والسلام صبره على الأذى في سبيل تبليغ رسالة ربه، فقد أرسله الله تعالى إلى الخلق وحده والكفر قد ملآ الآفاق فاستمر من أول عهده يتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم وفي المواسم ومواقف الحج يدعو من لقيه من حر وعبد وقوي وضعيف وغني وفقير إلى الإيمان به والتصديق برسالته. ولقد صبر على الحاق أصناف الأذى به وبأصحابه بعد ما قرر المشركون استئصال دعوته وظلت قريش عشرة أعوام تستبيح دماء المسلمين وأموالهم وأثارت عليهم حرباً إعلامية من السخرية والاستهزاء والتكذيب والتشويه، واتهموه بالجنون والسحر والكذب والكهانة، والنبي صلى الله عليه وسلم في كل ذلك صابر ثابت ثبات الجبال الراسيات.
وقد بين صلى الله عليه وسلم شدة ما لقيه من المشركين وما كان عليه في كثير من أيامه من فقر وحاجة فيقول: (لقد أوذيت في الله عز وجل وما يؤذى أحد وأخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتى عليّ ثلاثون ما بين يوم وليلة مالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال) ولشدة كراهة كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولون: مذمم. وهو ليس اسمه ولا معروفاً به فكان الذي يقع مصروفاً على غيره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر منهم على هذا الأذى لأنه يعلم أنهم إنما يقصدونه هو. وقد بين سبحانه وقوع الأذى ووجهنا للصبر عليه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود
adelalshddy@hotmail.com