د. عبدالواحد الحميد
يرى بعض أصدقائنا الاقتصاديين، وليس كلهم، أن رفع كفاءة الاقتصاد وزيادة إنتاجيته تقتضي إطلاق العنان للشركات والمؤسسات الخاصة بلا حدود ولا قيود. لكن هذا لا يحدث في الوقت الحاضر في أي بلد في العالم، ولا حتى في أعتى البلدان الرأسمالية!
فلم يعد سراً أن المصالح الخاصة الجامحة قد تتناقض في بعض الأحيان مع المصالح العامة، وهذا ليس انتقاداً للقطاع الخاص أو لدوره من حيث المبدأ أو كفلسفة لممارسة العمل الاقتصادي. فالقطاع الخاص في معظم الحالات أكثر كفاءة من القطاع الحكومي بكثير لأنه يتحلى بروح المبادرة بحثاً عن الربح فيفيد ويستفيد ويخلق قيمة مضافة للاقتصاد. لكن القطاع الخاص بحاجة الى تنظيم ومراقبة من الأجهزة الحكومية المتخصصة لكي تكبح جماح المستغلين وتحمي المجتمع من غلواء المحتكرين الذين يسيئون الى سمعة القطاع الخاص.
ومع الاعتراف بأن بعض الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بمتابعة أنشطة القطاع الخاص قد تكون بيروقراطية أكثر من اللازم وبطيئة جداً وقد يكون بعضها مختَرَقاً وفاسداً إلا أنها في المجمل ضرورية وإيجابياتها أكبر من سلبياتها، وهذا ما اقتنعت به المجتمعات الرأسمالية وصارت تطبقه بل وتتوسع في تطبيقه رغم كل الضجيج عن العولمة والمنافسة وحرية الأسواق.
أكتب هذا بعدما قرأت أن شركة فولكس واجن الألمانية اضطرت مؤخراً إلى القبول بتسوية ستدفع بموجبها على الأقل مبلغ خمسة عشر مليار دولار لكي تفلت من المحاكمة في الولايات المتحدة بسبب ما قامت به من غش وتزوير في بعض محركات سياراتها التي ثبت تلويثها للبيئة.
يحدث هذا في قلعة الرأسمالية في زمننا الحاضر وهي الولايات المتحدة وذلك بحق شركة تحمل جنسية دولة رأسمالية أخرى من عمالقة الاقتصاد وهي ألمانيا، فكيف يستكثر البعض هنا المطالبة بالإجراءات الرقابية بحجة أنها تعرقل النشاط الاقتصادي!؟
باختصار، نشاط القطاع الخاص هو المرتكز الأساسي للاقتصاد ولا أحد يريد إعاقته، لكن هذا لا يعني أن القطاع الخاص فوق النظام ولا يخطئ ولا يعني أن من ينتقدون القطاع الخاص هم ضده من حيث المبدأ.