د. محمد عبدالله العوين
استبشر المواطنون خيراً بعد تعيين الدكتور توفيق الربيعة وزيرا للصحة في اليوم الأول من شعبان الماضي، ومضى شهران على مباشرة الوزير توفيق مهام عمله نفض خلالها الغبار المتراكم على قطاعات الوزارة التي مر عليها خلال سنتين فقط ستة وزراء وهو السابع، ومنذ أن أسست في أول تشكيل وزاري في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - عام 1370هـ وخلال عمرها الطويل الذي بلغ سبعة وستين عاما تولى قيادتها عشرون وزيرا؛ ولكن أداءها لم يكن مرضيا بصورة جيدة للقيادة وللمواطنين إلا في فترات قصيرة وتحت إدارة عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الوزراء، ربما كان في مقدمتهم الدكتور غازي القصيبي الذي اختاره الملك فهد - رحمه الله - عام 1403هـ بعد أن وصل تردي أداء الوزارة مرحلة كاد الملك فهد - كما يذكر القصيبي في كتابه «حياة في الإدارة» - أن يتولاها بنفسه؛ فأعاد الدكتور غازي ترتيب إدارات الوزارة المترهلة ووضع لها خطة عمل جديدة وقام بزيارات فجائية وبدون ترتيبات مسبقة على عدد من المستشفيات الكبيرة التي كانت سمعتها السلبية قد وصلت إلى الحضيض، وعدل وبدل في القيادات الإدارية في القطاعات الصحية كافة، واقترح إنشاء ألفي مركز صحي صغير في المملكة كافة توزع على أحياء المدن وتخفف الضغط على المستشفيات الكبيرة، واشترت الوزارة في عهده عددا من الفنادق وحولها إلى مستشفيات دفعا لطول انتظار إنشاء المباني؛ فحلت جزءا من مشكلة الاحتياج.
لقد بدا وكأنه ينشئ وزارة من الصفر وبلا تاريخ؛ لأن الأداء في معظم المراحل التي مرت كان بطيئا جدا ورتيبا والتضخم في عدد السكان وسرعة إيقاع النمو في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتكاثف الزيادة المضطردة في عدد المواطنين والوافدين ألقى بالعبء على المنشآت الصحية القليلة العدد التي لا تقابل في بطء نموها سرعة التضخم في المدن والسكان.
يأتي الوزير توفيق الربيعة بسمعة طيبة عطرة بعد خمس سنوات قضاها في وزارة التجارة والصناعة وإنجازات متميزة في القطاع التجاري على الأخص أسهمت في ضبط إيقاع العمل التجاري وفق قوانين وأنظمة عادلة تنظم العمل التجاري وتنصف المواطن من حالات استغلال قد تقع عن طريق الإبلاغ السريع لمراقبي الوزارة بحالات الغش أو التلاعب وتفرض على التاجر عقوبات الإغلاق والتشهير.
نجح الوزير الربيعة في التجارة؛ لكن هل سيحقق النجاح نفسه في محرقة الوزراء كما يقال عن وزارة الصحة ؟!
أمل القيادة فيه كبير جدا، كما هو أمل المواطنين؛ فالقطاع الصحي كبير وضعيف ومترهل ويعاني من أعراض كثيرة تشبه أعراض الشيخوخة ولم يعد مطمح كثيرين من المواطنين؛ فقد انصرفوا عنه في الأغلب إلى المستشفيات الخاصة بقطاعات حكومية مختلفة كالتخصصي أو الحرس الوطني أو الداخلية وغيرها، لمن أتيحت له فرصة العلاج في تلك المستشفيات على اختلاف وتباين كبير في أداء بعضها عن البعض، أو ربما تحولوا إلى مستشفيات القطاع الخاص على مضض متحملين ما «يشفطه» من جيوبهم جشع الطب التجاري واستغلال كثير من مستشفياته ومراكزه حاجة المريض وقلقه ورغبته في سرعة العلاج؛ مما يدفعه إلى الصبر على جشع الطب التجاري غير المبرر في كثير من الأحيان.
كان أبرز قرار للوزير الربيعة قبل ثلاثة أيام إغلاق أحد المستشفيات لوجود مخالفات عدة، وحظي القرار بترحيب كبير من المواطنين، واشتغلت وسائط التواصل بعبارات التقدير والثناء على الوزير وعرض المواطنون كثيراً من الخدمات الطبية التي تحتاج إلى مبضع الجراح الوزير؛ فكم من جرح وجرح سيداوي في هذا الجسد العليل؟!
.. يتبع