عبدالله بن سعد العمري
في الرياض أواخر 2012، قلت لأحد رموز هيئات الثورة السورية: «أحتفظ باسمه» «إنني أرجو أن تنتهي الأزمة السورية في ظرف سنة من ذلك الوقت»، فرد علي قائلاً: «أظنها ستأخذ وقتاً طويلاً جداً، فالأزمة تشابكت بين الأسد وحلفائه والمتطرفين مثلما إذا اشتد تشابك حبال الجزمة القديمة، يصعب حلها ولن يرغب أحد من الخارج بفكها،». وبحلول عام 2013، حذرتُ في مقالات عدة نشرت هنا بالجزيرة من أن الفراغ السياسي بسوريا إذا لم يتدارك بحل سريع ينطلق من مبادئ جنيف 1 لسوف يحفز الجماعات المتطرفة إلى الذهاب للعيش هناك ومن ثم بدء مشروعهم التكفيري والإقصائي لكل ما يخالف رأيهم! وكان ذلك في بداية ظهور جماعة النصرة أي قبل داعش سوريا وغيرها، حيث إن النظام السوري وهو الغريق في دماء شعبه البريء سوف يقوم بتحفيز الجماعات المتطرفة واستقدام المرتزقة وجلب خبراء حلفائه في مقابل إطالة بقائه حيا على حساب مئات الآلاف من القتلى السوريين.
والحقيقة أن مثل هذا الفراغ السياسي ليس بجديد على الساحة الدولية، فالصومال وأفغانستان و-العراق مؤخراً- خير أمثلة على غياب المشهد الصحيح لوجود حكومات تجمع كافة الكتل الوطنية والتي بدورها تشد الأجزاء المتبعثرة والمتراخية في تلك البلاد. وسوريا اليوم وقد أضحت أخطر أزمة في تاريخ هذا القرن لتخبرنا بأن سيميائية الأنظمة الديكتاتورية قد تبيد شعباً بالكامل لأجل كلمة الرئيس الأسد.. ولكن ما يعلمه النظام السوري ويحاول تجاهله هو أن لا أحداً غداً سيحاول إنقاذه بعد هزائم حزب الله والانسحاب الروسي المتوقع استمراره قبل حلول الشتاء المقبل لدوافع اقتصادية، والفتور الذي حتما سيصيب إيران عبر هذه السنين.
لن يجد النظام السوري حينها سوى داعش التي كان السبب الرئيس في ظهورها، وحينها سيتفرغ السوريون من جديد للقضاء على هذا النظام وعلى داعش وعلى بقية الدخلاء من خارج التوافقات الوطنية المتمثلة اليوم في هيئة الائتلاف والمعارضة والجيش الحر الممثلين للشعب.
ومن ناحية أخرى، فمحتمل جداً أن يفاجئنا النظام السوري غدا بشيء جديد وأكثر دموية بعد هزيمة كل من كان يسانده خلال السنوات الماضية.. ومع هذا فلا يزال موقف المملكة واضحا منذ البداية في ضرورة رحيل الأسد إما بالحل السلمي أو بالحل العسكري، وأن أي إطالة لأمده لن تجدي نفعا. إن المملكة ترى هذا النظام تماما كجثة غائبة عن الوعي لا تزال تعيش على الأجهزة، فحتما هو راحل لا محالة.
واليوم وقد عمت الفوضى دماء الإخوة السوريين إلى درجة ضياع دمائهم بين قتلة كثر يشكلون حزب الله والنظام والروس والإيرانيون والمرتزقة والجماعات المتطرفة، يأتي دور التاريخ ليسجل حقبة سوداء في جبين مجلس الأمن وهيئة الأمم والولايات المتحدة. وتلك هي الآن عضوية مجلس الأمن التي رفضتها المملكة عام 2013 لتبدو اليوم كعضوية نادي تشكيلي سوداوي لا يحب سوى رسم القلق.
وبالتأكيد فلن تستطيع المملكة أن تتحمل على عاتقها «بشكل منفرد» حل مشاكل المنطقة برمتها، بل ليس من مسؤولية المملكة القانونية مواجهة كل المخاطر من المحيط إلى الخليج! إنما تدفع المملكة دوما باتجاه المسؤولية الإنسانية لتبين للحكومات والشعوب على حد سواء ما يصلح أحوالهم.
وهنا أقول: لقد نجحت المملكة وفشل العالم أمام التحدي الأخلاقي الذي تبين فيه رسوب الدول العظمى بعد امتحان مصالحها جنبا إلى جنب مع أزمات الشرق الأوسط. وهو ما يجعلني أرجح أن تكون الخطوة الحالية هي التحدث مع المصالح الروسية ومواجهة الدب الأحمر بالعسل الذي قد يلهيه عن أكل لحوم البشر في الشرق الأوسط. أما الولايات المتحدة فلن تغير ساكنا قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما، حيث سياسته الحالية هي التفاوض بلا داع للعجل. إن هذه الأزمة باختصار يراد لها أن تكون هكذا، فلن يكون لإيران أو إسرائيل إكمال مشروعهما التوسعي دون إعاقة سنة سوريا عن الحيلولة دون هذا التوسع، واحدة من هاتين الدولتين سيكون الوقت من صالحها إلا إن بدلت السياسة الأمريكية شيئاً مع الرئيس القادم. وهنا أود الإشارة إلى أن الأردن هو صمام أمان أوحد لكامل الجزيرة العربية من الشمال، لذا فإن دعم كتلته الديموغرافية والسياسية والأمنية يجدر أن يكون مثل شرب الماء كل يوم.