المشهد الأول في عام 1990م قد ترى شخصاً غريباً في أحد المجالس اليومية أو الأسبوعية لكبار القوم من الدعاة أو الشيوخ أو أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة، وهذا الشخص قد يلازم اجتماعات الكبار، ويناقشهم في أحيان كثيرة بأسئلة متفق عليها، له كاريزما خاصة، يقدمه أحد الشيوخ ليلقي بكلمة بسيطة في ختام المجلس، ثم يقدم له مقدمة كُتيب صغير فيما بعد، ثم يستضاف إعلامياً، وبعد ذلك يتصدر المنابر ويبدأ بعد معاناة وجهد جهيد خلال سنوات طويلة، أقول يبدأ رحلة التأثير على الناس وصياغة رأي عام!
المشهد الثاني في عام 2016م حين تطل شخصية مشهورة -أياً كانت سبب شهرتها- عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فيوعز لمتابعيه بالتصريح وليس التلميح بأن صاحب الحساب (الفلاني) في موقع التواصل (العلاني) هو شخصية جميلة وحسابه مفيد وجميل بالضرورة، وأنه بنفسه يتابعه، ويطلب من متابعيه الأعزاء أن يتابعوا ذلك الشخص أيضاً، لينقاد المتابعون خلف رأيه كما تنقاد القطعان خلف راعيها فيتابعون ذلك الشخص.
ذلك المشهد «الثاني» قد يتكرر في مشاهد عدة، إنما بطلبات مختلفة، فمرة يطلب منهم زيارة أحد المحلات التجارية، ومرة يقودهم للقيام بحملة ضد شخص ما، ومرة يقودهم للقيام بحملة أخرى لمناهضة آراء شخص ما، بينما المتابع في -أغلب الأحيان- ينساق خلف رأي الشخصية المشهورة المحببة حتى وإن خالف هواه. وهنا أتساءل هل نحن بفطرتنا مجبولون على التبعية والانقياد حتى أصبحت تلك الشخصيات تؤثر فينا بسهولة الوصول لعالم الشهرة عبر تلك المواقع العنكبوتية؟ إن ما استنتجته حقاً هو أن أغلب الناس قد جبلوا على التبعية منذ زمن الصحوة، وذلك من خلال انتشار تلك الأصوات الصارخة بالخطابات الرنانة عبر المنابر وأشرطة التسجيل، بل ومن خلال تلك الكتيبات التي كانت في الغالب توزع مجاناً ولا تباع، والفرق بين مشاهير السابق ومشاهير الوقت الحالي لا يكمن في عدد المتابعين أو المنقادين معهم خلف آرائهم، بل إنه يكمن في الطريقة التي وصلوا من خلالها لعقول الناس وبدأوا بالتأثير عليهم. فلقد عانى الجيل السابق في طرق الوصول للناس، إذ كانت صناعة الشخصية المؤثرة تستلزم الكثير من الوقت لتنضج وتبدأ في جذب الناس، حيث يتطلب ذلك ملازمة أحد الشخصيات لفترة من الزمن لكي يقدمه، ويتطلب أيضاً أن يكون فصيحاً قوي الحجة والبيان، طليق اللسان، متزناً ويظهر دائماً في محاذاة كبار القوم حتى يكون لحضوره فيما بعد وهجاً يسطع في أفكار الناس. بينما أسس المشاهير الجدد لحالة جديدة من السيطرة على أفكار الناس وذلك من خلال اعتلاء منصات الشهرة بأسهل الطرق وأسرعها على الإطلاق، فمن كان يتصور ذات يوم أن الحماقة ستكون سبباً للشهرة في هذا الزمن، ومن كان يتصور أن أناساً في الغالب لا يملكون أي ثقافة ولا يحملون أي رسالة سوف يصبحون مشاهيراً يؤثرون في آراء الناس، ويصنعون لهم خياراتهم. من لم يكن يتصور حدوث ذلك فأقول له أن ذلك حدث فعلاً!
لقد استند المشاهير الجدد أو أصحاب المنابر الجديدة على سيكولوجية الناس الذين يفضلون في الغالب الأخذ بأيديهم ودلالتهم على الجديد وصياغة آرائهم، وتشكيل شخصياتهم، وهؤلاء من الناس هم الشريحة الأكبر في المجتمع، بينما أولئك المشاهير فإنهم يشبعون غرور أنفسهم الغريزي من خلال الاستمتاع بتلك الانقيادية العمياء خلفهم!
والمضحك المبكي أن أحد المشاهير عبر برنامج (سناب شات) كان ذات يوم يتحدث عن التبعية والانقياد وضرورة الاستقلالية في الرأي، وهذا ما جعل فكرة المقال تقفز إلى رأسي، غير أنه بعد ساعتين عاد ليقدم إعلاناً مدفوعاً عن منتج معين، ويحث الناس على شرائه!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @