يقول الدكتور فلاح العنزي في كتابه: ( علم النفس الاجتماعي):
«لدى كلّ فرد عدد هائل من مخطوطات الذات، وهي تتضمن اتجاهاته, وميوله وخصائصه الشخصية التي يدركها كجزء من ذاته, وهذه المخطوطات تتكون من خلال خبراته السلوكية, التي تصل إلى الفرد أثناء تفاعله مع الآخرين والبيئة الاجتماعية عموما».
هذه المخطوطات -من وجهة نظري- تشبه تمامًا الأصل, والصورة.
فالمخطوطة عندما يتم تحقيقها, تتحول إلى كتاب أكثر فنيّة شكلًا ,لكنَّ المضمون واحد.
كذلك خروجنا إلى العالم بالمخطوطات الذاتية- بعد تحقيقها- سيكون ملبس إلى حد ما, فمن سيبهره الشكل الخارجي, لن يلتفت لأصل المخطوط, وكذلك نحن أنفسنا, ربما تسرقنا السكينة كما يقال.
ينفر الإنسان من تقييم الذات السلبي، ويميل، بقدر الإمكان، إلى المحافظة على تقييم ذات إيجابي، وهذا له تأثير مباشر على تفاعله الاجتماعي.
وقد بينت الدراسات أن الفرد يتجنب التفاعلات الاجتماعية التي تهدد تقييمه لذاته ويميل إلى المواقف التي تساعده على المحافظة عليه.
ومن هنا يظهر عشاق الظل.الذين لايعملون, وبالتالي لا يخطؤون, ويكونون سعداء إنهم كذلك, ويحتجون عليك بأنهم لم يسمعوا في يوم ما من يقيمهم بهذا الشكل, أو يتجرأ على أن يقيمهم كذلك, وهم إما لايعملون أو يعملون بمحدودية وإذا عملوا عملوا أعمالًا محدودة جدًا يصبون عليه كل جهدهم حد الإنهاك, ثم يتوقفون ليكون توقفهم بشكل أكثر درامية, حيث وقفوا على أعتاب الشهرة, وقصروا الأنفاس بعمل واحد لأن طاقتهم لاتتسع لغيره
من أربع سنوات مضت أهدت لي رئيستي في العمل أول درس إداري كنت وقتها مديرة العلاقات العامة فقالت لي: من يعمل ويخطئ تأكدي أنه يعمل لأن من لايعمل لايخطئ.
مع الوقت والمراس صرت أحب هؤلاء الذين يعملون وأخفف عليهم صدمة الخطأ , حتى صار معي في حياتي.. لم تعد اخطائي تحزنني فكل خطأ يستحثني أن أعقبه بأخر يمحوه ويثبت لي بأن الخطأ من بشريتي الضعيفة ماهو إلا وقود نجاحاتي القادمة.
الذي يغيب عنا في زحمة الاعتداد بالذات أن الخطأ والتقصير جزء من تكون خبراتنا الحياتية, يضيف لنا طرقا جديدة وسريعة للمعالجة, بفنية واحتراف.
وما قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:» الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ «
إلا درس من دروس مخطوطات الذات التي يجب أن نتدرب عليها, فالتعامل مع البشر , والصبر على تقييمهم لنا, واثبات صدق هذا التقييم أو تجنيه مع الوقت بروح متطلعة للانفتاح لا الانغلاق على الجراح من شأنه أن ينبت مجتمعات صبورة, محتسبىة, متقبلة, للتعايش وتبادل العلاقات الاجتماعية الآمنة, بعيدا عن الخوف من تقييم الآخرين السلبي لعاداتنا, ولهاجاتنا, وسلوكنا, وشخصياتنا.
يقول الدكتور جاسم الياقوت:
«تقدير الذات مهم جدا من حيث إنه هو البوابة لكل أنواع النجاح الأخرى المنشودة، فمهما تعلم الشخص طرق النجاح وتطوير الذات، فإذا كان تقديره لذاته وتقييمه لها ضعيفا فلن ينجح في الأخذ بأي من تلك الطرق للنجاح، لأنه يرى نفسه غير قادر وغير أهل وغير مستحق لذلك النجاح.»
إن تحسين الصورة الذاتية مطلب حقيقي لاترفي, لن يتمو بالسخرية منها, ولابالتقليل من شأنها, و ليس بخداع النفس, ومنحها صفة فوق ماتستحق,حيث يتولد الغرور الأجوف الذي سيقضي على حقيقة التقدير.
هذا التقدير لابد أن يتم بواقعية, بعيدا عن المثالية الزائدة, والتواضع المجحف.
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي