النظرة الأصولية واللغوية واحتراس السياق!
وإذا أحسنا الظن في شعار الشركة التي ارتضته للحملة على جسارة الكلمة مع هدف نبيل فأيننا عن هؤلاء الهازلين الذين يتلفظون بجملة (عليّ الطلاق إن لم ... وهلم جرا )!! ففي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح،والطلاق،والرجعة) فإذا كان شعار الحملة الذي استكرهه البعض بلا روّية من جهة الهدف وعموم اللغة النفسية لا دلالاتها الأصولية فمن باب أولى أن نسعى جاهدين لإماتة جملة (عليّ الطلاق) وإن كانت تحمل مقاصد ما إلا أن مسوغ التلفظ بها ذميم.. وهل تستوي هذه بتلك ليسوا سواء بالهدف والحتف وإن اشتركا في اللفظ لا في القصدية.. فشتان بين التوعية وبين وقوع الضرر بين الشرط وجوابه: إن لم ... فعليّ الطلاق!!
عني لا أرى بأساً في تعبيرهم بـ(طلق)؛ فاللغة أوسع دلالة من التقنين الاصطلاحي للمصطلح الشرعي، فعلام التضييق!! فالمعنى اللغوي حق مشروع في التعبير والتوظيف؛ كونه مشتركاً لفظياً لترادفات شتى..
ثم إن (الطلاق) في الأصل اللغوي من معانيه (الترك)- تلك المفردة التي اقترحها البعض- فالعبرة بعموم اللفظ واتساع تداوله لا بتحجير المعنى وربطه بقداسة ما..
غير إن السويّ أيا كان لا يُطلّق الشيء إلا وهو كاره بغض النظر عن الأطر الاصطلاحية الشرعية إذ هو سبيل خلاص قبل أن يدلف لأذى النفس ومتعلقات المجتمع..
بعيداً عن هذا كله.. الشركة حين عبرت عن الحملة بشعار #طلقها_صحتك_أهم امتطت أسمى درجات البلاغة النفسية للمتلقي للمعنى الذي يُطابق الحال لكنها أخطأت في توجيه البلاغة الثقافية الاجتماعية بما فيها.. و الإشكالية ليست في الشعار بما حوى فحواه ..وإنما في طريقة التلقي والتعاطي مع اللغة .. فنحن بين أزمتين : التلقي الفكري الثقافي والإدراك اللغوي!!
وأرى أن (طلقها) أشد ضراوة في التعبير النفسي والاجتماعي -بحسب المقتضى الظاهر للحال- وأدعى للإقلاع من (اتركها)، والترك جزء من التطليق..والأصل في المعنيين السابقين هو التوديع وكلاهما إحسان ومعروف للنفس والكرامات الإنسانية والحقوقية.
ويُشير د. فيصل الحليبي في تعليقه على ما قلته آنفا - أثناء تحاوري معه- بقوله:
« أكاد أجزم بأن كل من سمع الكلمة من أول وهلة تبادر إلى ذهنه الطلاق الشرعي. وهنا يحتاج المعنى الأصلي اللغوي إلى قرينة! والمعنى الاصطلاحي إذا غلب حمل اللفظ عليه.. لاسيما في ألفاظ النكاح والطلاق والعتاق.
ولا أحد يقول بالمنع من استعمال المعنى اللغوي على أحد معانيه.. ولكن الحكم للمعنى الغالب..فيكون هو الأبلغ إلا بدليل.
نظرتك لغوية بحتة..وأهل الأصول يحكمون على أهل اللغة بالدلالات في الألفاظ الشرعية.
وبعيداً عن ذلك.. فإن المرأة أشرف وأزكى وأعظم من أن تشبه بالسيجارة الخبيثة..فأي بلاغة فيما فعلوا!!
ثم إن الشركة لم تنظر نظرتك اللغوية ألبتة.. وإنما نظرتها إثارة إعلامية لشد الانتباه فحسب.. مع قصد طيب كريم في التوعية. شكرا لهم... وشكراً لك. ولكل وجهة هو موليها»
وبعد هذا،- حين نُغلب حسن الظن وهو الأصل- ندلفُ للأنساق الثقافية للمفردة دون أن نقتصر على الأصولية الصرفة ..سيتباين المنهج في تعليل الرؤى واتساع الزوايا للمفردة المختصم فيها..ثم إن الحقائق لا تحتاج لقرينة لفظية واحدة فضلا عن قرائن.. وفي الشعار تعددت القرائن وضجت النوايا اختلافا بحسب تأويل الأدنى فالأعلى..
كانت ولمّا تزل الأزمة أزمة تلقي ثقافي فكري لا لغوي ولا أصولي..واللغة قبل هذا وذاك كائن ثقافي يستحيل عزله عن المجتمع والسياقات التي ترتبط به ويتعذر الفصل لوجود الوصل التكويني بينهما..
وأشير إلى أنهم لم يشبهوا المرأة بالسيجارة ألبتة وإنما استعاروا اللفظ في غير ما وضع له لإيماء ما،مع إيراد قرينة احتراسية مانعة للمعنى بحسب السياق والمساق..
لا ريب أن الأصولي نظرته تكاملية احتراسية للأمور .. لكن تجاهله لقصدية المنشأة -أيا كانت- كونها المنتج الأول للشعار فيه نظر!!
إذ إن تحليل الخطاب/الشعار الإشهاري بحسب الدرس الأدبي والفلسفي- في غير الوحيين المقدسيين- لا مناص منه.. والفيصل أن تباين الأفهام لا يقاس إلا بالسياق الذي يتبع المساق لا التفاف الأشياء على بعضها بشذر مذر واجتزائها من سياقاتها !
فاصلة، إلى كلمة سواء:
لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.
- تهاني العييدي