يستحق فيلسوف مثل ابن رشد أن تخلده المؤسسات الحقوقية والأخرى التي تعنى بتقديم البحوث والدراسات عن المرأة وأن تشير إليه في مناسباتها، بل تتخذه رمزا في ذاكرة الأجيال تليق به، فلا أحد من السابقين تحدث عن مكانة المرأة وقيمتها كابن رشد، بل إن من حق ابن رشد على كل امرأة أن تعترف بفضله وجهوده في مواجهة من يقلل من دور المرأة ومكانتها وبخاصة ممن عاصروه أو لحقوا به، فلقد نبه ابن رشد في نهجه التنويري إلى أن تردي المجتمع الإسلامي وتخلفه يعود في أهم أسبابه إلى تردي أوضاع المرأة فيه.
وهو الذي جاهر في تعليقه على كتاب السياسة لأفلاطون بأن (النساء والرجال نوع واحد وأن لا فرقَ بين الرجل والمرأة في الغاية الإنسانية. والفرق الوحيد الذي يراه هو في احتمال الكدّ الجسدي الذي يَقدر الرجل عليه أكثر من المرأة فيما أن النساء أكثر حذقاً في أعمال أخرى، كفن الموسيقى. وبما أنه لا فرق بين المرأة والرجل في الطبع الإنساني، وجب على النساء أن ينلن التربية نفسها التي يحظى بها الرجال وأن يشاركنهم سائرالأعمال، حتى الحرب والرئاسة)، وانتقد ابن رشد وضع المرأة في بعض مدن المجتمع الإسلامي قائلا: «وإنما زالت كفاية النساء في هذه المدن لأنهن اتُّخذن للنسل وللقيام بأزواجهن، وكذا للإنجاب والرضاعة والتربية، فكان ذلك مبطلاً لأفعالهن (الأخرى). ولما لم تكن النساء في هذه المدن مهيئات على نحو من الفضائل الإنسانية، كان الغالب عليهن فيها أن يشبهن الأعشاب. ولكونهن حملاً ثقيلاً على الرجال صرن سبباً من أسباب فقر هذه المدن. وعلى الرغم من أن الأحياء منهن فيها ضعف عدد الرجال، فإنهن لا يقمن بجلائل الأعمال الضرورية، وإنما ينتدبن في الغالب لأقل الأعمال، كما في صناعة الغزل والنسيج، عندما تدعو الحاجة إلى الأموال بسبب الإنفاق).
وفي كثير من المجتمعات الاسلامية لم يزل خطاب الغزالي وابن تيمية، في مواقفهما من المرأة، فوجودها ينطوي على عشر عورات -برأي الغزالي- يستر الزواج واحدة ويتكفل القبر بستر التسع الباقيات، وكلاهما يدعو إلى حبسها في المنزل حبساً مطلقاً، وشبهوها بالعبد على نحو ما قاله بن تيمية الذي يرى أن المرأة مثل العبد فكلاهما مملوك، العبد لسيده والمرأة لأهلها أو بعلها.
وفي دراسة للدكتور معجب الزهراني بعنوان (صورة المرأة في خطاب ابن رشد)ذكر بـ: (أن ابن رشد لم يكن ليفرد لقضايا المرأة حيزاً واسعاً في كتاباته لأنها لم تكن مطروحة موضوعاً للجدل ضمن الخطاب الثقافي العارف في عصره ومن قبله. تلخيصه لكتاب أفلاطون في السياسة هو ما دفعه للتوقف عندها وتحليلها بإيجاز وعمق. لقد أدرك جيداً أن صورة المرأة ككائن إنساني حر عاقل مؤهل لكل الأعمال الذهنية والعملية لا تتطابق مع صورتها في الواقع حيث تهيمن تصورات تقليدية متحيزة ضدها بأكثر من معنى. كما أدرك أن تدني أحوالها وأحوال المجتمع من ثمة هو النتيجة المنطقية لهذه التصورات التي يتوهم الناس، غالبيتهم، أنها من قبيل البدهيات التي لا مجال للشك فيها، هذا إن لم يقال لهم أنها من قبيل المقدسات التي لا يجوز لأحد التشكيك فيها).
وفي ظل المرحلة الحالية التي تعيشها بلادنا التي تعد المرأة من أبرز عناصرها المغيرة فإنه ينبغي إعادة النظر في عواقب قراءات تبنت الخطاب الذكوري المفخخ بالنفحة التقليدية وحاولت فرضه على المجتمع في مقابل إعادة الاعتبار إلى قراءات أخرى تم التشكيك فيها لأنها لا تتماشى وأهواء التقليديين كأطروحة ابن رشد فيما يخص المرأة والمجتمع.
- هدى الدغفق