سعود عبدالعزيز الجنيدل
لا أستطيع فعل ما تفعله النساء العظيمات من خلال حبهن وصبرهن، وتضحياتهن الكبيرة في سبيل فلذات أكبادهن، فلهذا لن أكون قادرًا على فهم مصدر هذه القوة، والقدرة. حقاً إنهن عظيمات.
عن معاوية السلمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: ويحك، أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: ويحك الزم رجلها فثم الجنة. صححه الألباني.
وقال للرجل الذي سأله بمن أحق بصحبته، فكررها ثلاثاً: أمك ثم أمك ثم أمك.
هذه صورة الأمهات، في ديننا وعقيدتنا، حتى إن المولى عز وجل، أمرنا بمصاحبة الوالدين في الدنيا بالمعروف، لو كانا على خلاف الإسلام، فما بالك بكونهما مسلمين.
استيقظ المجتمع منذ أيام مرت، وفي شهر فضيل على فاجعة هزت، وأبكت، وقهرت، وقصمت ظهر كل من عنده أدنى رحمة..
الجريمة الشنعاء التي راح ضحيتها المغفور لها - بإذن الله - الستينية هيلة العريني - رحمها الله -.
هي أم مثل كل الأمهات، حملت فيهما، وخافت عليهما، وتحمّلت مدة الحمل، وآلامه، كل ما تريده هو رؤية جنينها، بين يديها، فلا تهم الآلام، ولا المشقة، ولا الضنى..
سمعت بكاءهما بعد ولادتهما، فنسيت الآلام، التي عانتها وما زالت تعانيها، حملتهما على كفي الراحة، إنهما وبكل تأكيد فرحتا عمرها، وكل ما تتمناه هو السلامة لهما، ولو اقتضى الأمر أن تعطيهما من عمرها، وصحتها، لفعلت وهي مسرورة.
كبر التوأم على صحة وعافية والديهما، فالوالدان مثل الرحيق الذي ينمو الأولاد بامتصاصهما، حتى يذبل الوالدان، ويضعفا في مقابل الصحة والقوة للأبناء.
فسبحان الله كل ما يفعله الأبناء، ويحققونه من نجاح أو إنجاز تجد الوالدين مسرورين أكثر منهم، فيفرحون لفرحتهم، ويحزنون لحزنهم..
هيلة العريني - رحمها الله - هي أم مثل كل الأمهات، حلمت برؤية ولديها شابين محققين أعلى الشهادات، ويعتليان أعلى المناصب، مكونين أسرة، ولهما أولاد..
هذا الحلم بدأ منذ دخولهما للابتدائية، وفي صبيحة ذلك اليوم، استيقظت باكراً، لتعد الفطور لهما، وتجهز ملابسهما، تريد أن تراهما أحسن الأولاد، تريد أن تفخر بهما، وبما يحققانه..
وما إن رحلا إلا والشوق لهما يختلج شعورها، وتتمنى أن يرجعا ويكونا معها، ولكنها تصبر نفسها، بأن هذه الدراسة في مصلحتهما.
تراجع لهما الدروس، وتتابع أخبارهما، وتسأل عن درجاتهما، والأمل يحدوها أن يتفوقا...
مرت السنون وكبر الولدان، وأصبحا شابين قويين، بمرأى أمهما هيلة العريني - رحمها الله - وفرحت كثيراً لرؤيتهما يكبران ويصبحان أكثر قوة وأكثر رجولة..
ظلت تحبهما وتخاف عليهما، أكثر من روحها، فالمهم أن لا يمسهما أي مكروه..
إلى أن جاءت اللحظة العصيبة، لحظة السفه والطيش، لحظة الإجرام، لحظة النكران، لحظة سفك دمائها الطاهرة، وهي قد ماتت فعلاً قبل أن تصل لجسدها الطاهر، السكاكين، ماتت من رؤية طفليها الصغيرين، طفليها اللذين بكت لهما ومن أجلهما، سهرت عند مرضهما، لم تنم وهما في خارج المنزل، تنتظر عودتهما، قلقة، خائفة..
ماتت من رؤيتهما وقد تحولا إلى وحشين ضاريين، لا تعرفهما ولم تشاهدهما من قبل...
عجباً لأمنا هيلة العريني - رحمها الله - كيف عاشت وهي تعلق الأحلام والآمال بهذين الولدين، وكيف دفعت بهما إلى الحياة، معرضة حياتها إلى الموت من هول الولادة...
وعجباً منهما كيف دفعا بها نحو الموت!!
حقاً إنها معادلة غير عادلة!