فيصل خالد الخديدي
مكة المكرمة بجميع تفاصيلها و(بجلالِهَا...وكمالِهَا ...وبِمِيمِهَا وبِكَافِهَا وبِهَائِهَا)* مصدر إلهام ومعين إبداع لا ينضب يستحق الكثير من البحث والاهتمام على المستوى التشكيلي وإن كان هناك عدد من الفنانين والفنانات اجتهدوا وكان لمكَّة ومعالمها وشعائر المسلمين بها حضور جيد في أعمالهم إما من خلال عمل أو مجموعة أعمال وإلا من خلال الاشتغال على حضور مكة في مشروع فني.
ومن أشكال حضور مكة العميق في أعمال الفنانين المحليين أعمال الفنان الراحل عبدالحليم رضوي رحمه الله الذي جسد الطواف في دورانية أعماله والبحث الجاد عن المسار المغناطيسي الجذاب حيث كانت الكعبة مركزاً لمساره المغناطيسي في أعماله والتي ضمنها في فلسفته فأجاب حين سئل عما هو المبدأ الذي تسعى لتحقيقيه (البحث عن عالم المغناطيس الجذاب بلقاء بين الحركة والشحنات الانفعالية وبين المشاعر وأفكار تطلع الإنسان إلى السلام، الحب ،التآلف، الوحدة, والإنسانية)
كما أن لعمل الفنان أحمد ماطر (جاذبية مغناطيسية) حضوراً حديثاً بفكر فلسفي للكعبة وروحانيتها حيث ذكر في معرض حديثه عن عمله «المشروع فيزيائي، مغناطيس وبرادة حديد، نرى قوة تجاذب وتنافر في الوقت نفسه وهي تصنع حركة الطواف حول الكعبة. بالنسبة لي هذه هي الحالة التي أعيش فيها عند الطواف».
كما تنوع الحضور التشكيلي لمكة في أعمال العديد من التشكيليين محلياً منهم ضياء عزيز وطه الصبان وعبدالله حماس ويوسف جاها وعبدالله الشلتي وعبدالرحمن خضر ومهدي الجريبي وزمان جاسم وصديق واصل وعبدالناصر غارم وفهد خليف ومحمد الشهري وسعيد قمحاوي ونهار مرزوق وأمينة الناصر وعبده فايز وغيرهم كثير لا يتسع المجال لحصرهم منهم من حضرت مكة أو شيئ منها ومن شعائرها لونياً وشكلياً في أعمالهم ,وآخرين كان حضورها ضمنياً فلسفياً أو فكرياً في أعمالهم.
ومن التجارب المميزة التي اشتغلت على مكة كمشروع فني ممتد في معظم أعمالها كان ثمرته معرضها الشخصي الأول (الطواف) الفنانة التنزانية (صديقة جمعة) والتي أقامته قبل أسابيع تحت رعاية المجلس الفني السعودي في الجولدن مور بجدة من ضمن الاحتفال بالانطلاقة الوطنية الإبداعية, وقدمت الفنانة معرضها الشخصي وهو حصيلة اشتغالها على الكعبة والطواف كمفردات أساسية في أعمالها التشكيلية لونية كانت أو رقمية,فتعددت وسائط وطرق معالجتها لموضوع مكة والكعبة والطواف في مسيرة أعمالها فكانت باشتغالها لذات الموضوع متجاوزة موحية للكثير من الأعمال والفنانين في تميز أسلوبي ونضج في الطرح.
إن روحانية مكة المكرمة وقدسيتها تستحق الكثير من البحث والدراسة التشكيلية والعلمية والحضور الفني لها والذي يتناولها بعمق يتجاوز حدود الشكل ويبحث فيها كهوية فنية بطرح فكري وعمق بحثي فمكة والمشاعر والشعائر بها بين الحج والعمرة موضوع لازال لم يأخذ حقه على المستوى التشكيلي ويستحق الكثير من المشاريع والبرامج التي تُعنى به حتى يغدو هوية تشكيلية مستقلة.
*من قصيدة الرقية المكية للشاعر محمد الثبيتي