محمد المنيف
مع أن الجميع يعلم أن الفن التشكيلي يندرج ضمن السياق الثقافي إلا أن هذا الأمر لا زال غامضاً وأصبح مبعث جدال غير معلن بين فهم الفن التشكيلي بقواسمه المشتركة وموقعه بين بقية فنون الثقافة، فهما لا يجتمعان وان اجتمعا لا يتوافقان، ولا يتمازجان؛ بسبب جهل من ينتسب لتلك الروافد بماهية ادوات الفن التشكيلي.
هذا الأمر يمكن معرفته من خلال حديث سريع مع أحد الأدباء أو الشعراء (الشعر العربي) والروائيين أو القاصين وحتى أصحاب الإبداعات الأخرى كالموسيقيين، وقد نعذرهم لعدم اتساع مداركهم وعلمهم بشيء من الثقافة البصرية التشكيلية وتاريخ هذا الفن وصلته بحضارات المجتمعات واهميتها.
ومن الجميل أو ما يمكن الاستشهاد به أن كل تلك الروافد شعراً أو رواية لا يمكن ان تستغني عن الفنان التشكيلي من خلال ما نراه من الاغلفة التي ابدعها التشكيليون من المعاصرين أو من عصور سابقة، التي تزين الرواية أو الديوان، فأصبحت بمثابة مفاتيح لولوج عقل وفكر المتلقي قبل قراءتها، مما يؤكد هذا التقارب والتجانس.
يقول الباحث محمد نور الدين أفاية المفكر المغربي أستاذ الفلسفة المعاصرة والجماليات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (يمكن القول إن الفنون التشكيلية العربية تعاني من مشكلة اعتراف داخل البنية الفكرية العربية، فهذه الفنون بالرغم من مرور عقود كثيرة على دخولها إلى المجال الثقافي العربي إلا أنها ما زالت تبحث عن شرعية فعلية تسمح لها بالانتقال والتفاعل والتداول).
هذا الأمر بالطبع تكشفه الإخفاقات الإعلامية لسبل الإعلام التي ركزت حسب اهتمامات مسئولي التحرير في الأقسام الثقافية في الصحف على وجه الخصوص بميلها إلى بقية الفعاليات الثقافية ومنحها حقها ومساحتها الكافية للانتشار والوصول إلى عقل وفكر المجتمع بشكل يومي، يقابله تغافل وتجاهل للفن التشكيلي، فلم يعد الناقد أو المؤرخ التشكيلي متمكناً من المنافسة أو كسب أقرب مسافة من القارئ.
وقد يكون من أسباب هذا البعد أو التغريب التشكيلي عن المتلقي عدم تفاعل الفنانين التشكيليين مع ما يطرح عبر ما تقدمه صفحات تشكيلية في مختلف صحفنا السعودية أو حتى سبل التواصل (السوشيال ميديا)، فلا يمر أسبوع إلا ونقرأ مقالاً لفنان أو ناقد أو متابع أو حتى معجب وعاشق لهذا الفن، يمر هذا المقال أو ذاك مرور الكرام يتلقاها القراء التشكيليون دون أدنى حراك نحو الصحيفة أو الموقع الإلكتروني للرد والتعقيب بالرأي وبوجهة النظر حتى لو كانت تخالف ما كتب الكاتب أو المحرر.
ويحضرني هنا ما كان عليه التجاذب في السبعينيات والثمانينيات الميلادية، مما يمكن تسميته الحروب التشكيلية الثقافية بين الفنان محمد السليم والفنان الرضوي وعدد من الكتاب والقراء في صحيفة الجزيرة. لفتت الأنظار وجعلت الساحة الثقافية تردد وتنتظر ما يمكن ان يحدث في كل مقال يرد به فنان على أديب والعكس.