مما يدل على فضيلة العشر من الأحاديث ان النبي - صلى الله عليه وسلَّم - كان يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر، حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة بما هي جديرة به من العبادة لأنّها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله عز وجل، فلا ينبغي للمسلم العاقل أن يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليال معدودة ربما يُدرك الإِنسان فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة في الدنيا والآخرة. فلنجتهد في هذا الشهر الفضيل ونزيد في العشر الأواخر التي فيها ليلة القدر العظيمة والمباركة عند الله تعالى، ونزداد من هذا الاجتهاد في هذه العشر الفاضلة كما كان قدوتنا وحبيبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - الذي علمنا ووجهنا التوجيه الصحيح في كيفية استغلال هذا الشهر وهذه العشر الأواخر المباركة خاصة.. حيث ان ليلة القدر العظيمة تتجلى بها وهي خير من ألف شهر كما تقدم، العشر الأواخر من رمضان المبارك لها مكانة ومنزلة عظيمة، فقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلَّم - الذي هو قدوتنا في رمضان وفي كل أمر من حياتنا وديننا لأنه يهتم عليه أفضل الصلاة والسلام كثيرا ويجتهد بالعشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي هذه العشر ليلة مباركة هي ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر كما قال الله تعالى:
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}..، وفقنا الله جميعا إلى اغتنام هذا الموسم العظيم وجميع مواسم الطاعات لعبادة الله وطاعته كما أمرنا الله تعالى وسنه نبينا ورسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. ورد في صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها) رواه مسلم، وفي المسند عنها قالت رضي الله عنها : كان النبي - صلى الله عليه وسلَّم - يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر، فهذه العشر كان يجتهد فيها - صلى الله عليه وسلَّم - أكثر مما يجتهد في غيرها من الليالي والأيَّام من أنواع العبادة : من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها.. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - كان يشد مئزره يعني: يعتزل نساءه ويفرغ للصلاة والذكر، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - كان يحيي ليله بالقيام والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه لشرف هذه الليالي والتي فيها ليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر الله ما تقدم من ذنبه.
وظاهر هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلَّم - يحيي الليل كله في عبادة ربه من الذكر والقراءة والصلاة والاستعداد لذلك والسحور وغيرها. وبهذا يحصل الجمع بينه وبين ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما أعلمه - صلى الله عليه وسلَّم - قام ليله حتى الصباح ) لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالقيام وغيره من أنواع العبادة والذي نفته إحياء الليل بالقيام فقط.