الأسرة نواة المجتمع وخليته الأولى في البناء والتكوين، وحصانة المجتمع في حصانة الأسرة، وليس من سبيل إلى هذه الحصانة إلا بتأسيس الأسرة وإنشائها على قيم تجعل منها سداً منيعاً في الوقاية من كل سوء يستهدفها.
وقد جاء في نص «المادة التاسعة» من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، أن «الأسرة هي نواة المجتمع السعودي. ويُربّى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر. واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد»، وفي «المادة العاشرة» من نفس النظام أكدت على «حرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.»
وفي سبيل قيام الدولة بواجبها نحو حماية الأسرة وبنيانها، أصدرت المملكة عدداً من التنظيمات بهدف العناية والاهتمام بالأسرة والفرد، وكفلت للفرد أن يعيش حياة مطمئنة ومستقرة وهانئة، وحمايته في الوقت نفسه من أي إيذاء أو تصرف أو إهمال يمس من كرامته وأمنه واستقراره، ومنها على سبيل المثال، نظام حماية الطفل الذي صدر بالمرسوم ملكي رقم (م/14) بتاريخ 3/2/1436هـ، ونظام الحماية من الإيذاء الصادر مرسوم ملكي رقم (م/52) بتاريخ 15/11/1434هـ.
ولما كان هذا كله، استشعر الإرهاب قيمة هذه الفئة الأساسية في مكونات المجتمع السعودي ألا وهي فئة الشباب، ورأينا كم أصبحوا هدفاً مقصوداً تتجه إليه أنظار الجماعات الإرهابية، وتضعه في دائرة اهتماماتها، وأصبحت تصيغ استراتيجياتها وأهدافها على هذه الفرضية، لأنهم؛ أدركوا أن الشباب هم اللبنة التي يقوم عليها بناء الوطن، وهم الذين يبني عليهم الوطن آماله وتطلعاته، فإليه تسعى التنمية، وبه تتحقق الرؤى والطموحات.
ولعلنا في هذا الوقت نستحضر الفتوى التي أصدرتها بعض التنظيمات الإرهابية، والتي من شأنها أن أفتت بإباحة قتل الوالدين والذرية والنساء بعد الحكم عليهم بالكفر والردة، وتم الترويج لهذه الفتوى والرفع من شأنها حتى أصبحت أساساً تستند إليه الفئة الضالة في تنفيذ أحكام القتل في والديهم، كما حدث في الماضي وما حدث في صباح يوم الجمعة (19رمضان 1437هـ) بحي الحمراء في العاصمة الرياض.
لو نظرنا إلى الواقع المحيط حولنا لأدركنا أن هناك جهوداً متسارعة تخطو نحو الشباب لصدهم عن طريق الوسطية والاعتدال، لأن الارهاب أدرك أن في طريق الاعتدال والوسطية رحمة واجتماع للكلمة، الأمر الذي ينشئ معه المجتمع في بيئة متناغمة متعايشة، والوسطية والاعتدال كما جاءت بها الشريعة من شأنها أنها تراعي في أحكامها الأحوال والأزمان والظروف، وتكفل للناس أن يعيشوا في محيط آمن مستقر لا صراع فيه بين النقل والعقل ولا تناقض.
لكن هناك من الأساليب التي يتبعها المحرضون مستغلين قربهم من الشباب لتجعلهم يعيشون حياة التناقض والصراع الفكري، أسلوباً أستخدم أساساً أيديولوجياً وهو إلقاء الشبه والضلالات والأسئلة المفتوحة في عقولهم، فعلى سبيل المثال انتقادهم للبيئة المحيطة، وانتقادهم لبعض تصرفات الدولة، سواءً كان ذلك التصرف دينياً أم سياسياً أم اقتصادياً، فهم يقومون بتشويه هذا التصرف والتشكيك في شرعيته، ثم محاولة ليَه وتحريفه من أجل إظهاره مظهر المصادم للثوابت الشرعية، ومخالف في نفس الوقت لنظام البلاد.
لا شك في أن القضايا المشتعلة في بعض البلدان العربية لا زالت تشكل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها، ولا زالت تشغل قلوب الناس وعقولهم، ولها تأثير في توجيه أفكار الشباب، وهذه الأعمال الجرمية التي وقعت في مدينة الرياض، والأخرى التي حصل الاعتداء فيها على أحد رجال الأمن بمدينة سيهات مساء الخميس، على الرغم من التضارب في الأدبيات والأسس الأيديولوجية لمنفذيها إلا أنها تعكس خطورة أثر تغير الفكر لدى بعض الشباب والاتجاه نحو التطرف والارهاب، ولا ننسى أن خلف ذلك كله يقف دور الدول الراعية للإرهاب وسعيها إلى ضرب المملكة في أبنائها بسبب الجهود المضنية التي تسعى المملكة إليها في قمع رؤوس الشر، ومثيري الفوضى في العالم العربي، وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة عموماً.
ومن هنا، فالأسرة يجب أن تتحمل جزءًا من المسؤولية الاجتماعية تجاه حماية أبنائهم، وتحصينهم من كل ما فكر يعكر صفوهم، ومنعهم من الجناية بحق مجتمعهم وبلادهم، ولعل المسارعة في الإبلاغ عن أي خلل أو ارتياب أو شك يحوم حولهم قبل أن تحل الكارثة هو تعبير عن النوايا الحسنة والرغبة في العلاج.
- دكتوراه في الشريعة والقانون