د. محمد بن إبراهيم الملحم
يتحدث الناس كثيراً عن دور وزير التعليم الجديد وإلى أي مدى يمكنه أن يحقق تطويرا يرتقي بالتعليم في بلادنا ويشرق الناس ويغربون في ذلك كثيرا وكذلك يفعلون كلما عين وزير جديد للتعليم، ولا عجب في ذلك فلهم الحق في التطلع إلى ما يصلح حال واحدة من أهم الوزارات. بيد أني أود أن أشير أن هذه الوزارة ليست مشكلتها في شخص الوزير أو قدراته أو نفوذه أو علاقاته أو تخصصه أو رؤيته سواء في المجال التربوي أو الإداري، والواقع أن هذه هي العوامل هي التي يبحر خلالها المحللون في استشراف إمكانية نجاح هذا الوزير أو ذاك. وهي مهمة لكن هناك ما هو أهم وأكبر. فكل وزير جديد يفكر في العملية التعليمية: التدريس، المناهج، تدريب المعلمين، تطوير وسائل التعلم.. لكنه يصطدم بصخرة تسد طريقه للوصول إليها وإن كان يراها ويتعامل معها أحيانا لكن من أحد أطرافها، فالصخرة الهوجاء تسد طريقه. ويفلح بعض الوزراء في زحزحة هذه الصخرة ولكن ببطء شديد يتناسب مع ضخامة حجمها فتظل دائما موجودة تتحدى طموحات أي وزير للتطوير التعليمي الحقيقي بكل عناد وصلف، كيف لا وهي التي تملك أكبر حصة من المال وتسلط عليها أكبر الضواء بل هي ما يبصره الناس بكل أطيافهم ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية سواء كانوا من علية القوم ومثقفيهم أو أقلهم وأجهلهم، تلك الصخرة أيها الفضلاء هي بكل بساطة: المباني والتجهيزات المدرسية.
إن وزارة التعليم هي من تبني المدارس وتؤثثها وتتولى صيانتها وما أدراك ما صيانتها، فالبناء قصة والصيانة قصة ثانية، كما أنها هي من تتولى شراء التجهيزات المدرسية من معدات وأدوات وأجهزة دقيقة وحواسيب ومطبوعات وكتب مدرسية وهذه قصة ثالثة لا تقل عن سابقتيها. ويظهر هنا لدى المسئول تحدي الموازنة بين جانبين أيهما يركز عليه وأيهما يخفف من العناية به (وما لم يفعل ذلك فلن يتمكن من إدارة الوزارة) أيهتم بالشأن التعليمي أم الشأن اللوجستي، ومع أن الإجابة واضحة أن التعليمي هو الأهم بل هو ما تسمى به الوزارة فهي وزارة «تعليم» إلا أن الوزير لن يملك الخيار وستعصف به عواصف الاحتياج الحاد ومشكلات الميدان ليجد نفسه منساقا إلى الخيار اللوجستي بل الأدهى والأمر بمرارة العلقم أنه سيتحول إلى حلال مشاكل وليس بناء نظم ومنجز خطط وهذا بعد آخر وعميق لطبيعة المشكلة يطول شرحه ويدركه كثير ممن له قريب علاقة (أو حتى بعيد) بهذه الشئون. وليست هذه حالة الوزير فقط بل يشترك معه فيها كل مسئولي الوزارة المحليون من مديري التعليم بالمناطق والمحافظات فلا يتمكنون من إيلاء الجانب التعليمي حقه (وإن رغبوا) فمشكلات الجانب اللوجستي تضغط عليهم فهي لغة المراجعين والمطالبين بل والمسئولين المحليين. لا تجد ولي أمر يراجعك سائلا عن أخطاء في التدريس أو المنهج أو نقص أدوات تعليمية إلا القليل جدا.
ما الحل؟
سأتحدث عنه في المقال القادم.