أحمد محمد الطويان
حملاتنا التوعوية في الغالب ولا أعمم ليست أكثر من شعار وعنوان لافت وحبر على ورق، وميزانيات ضخمة، لأن من يطلقها نيته سليمة ويريد أن يحقق أهدافها، ولكنه لا يعرف كيف، أو متى، ولأن من يقوم بتنفيذها لا يعرف لماذا، ولأن من يستضافون أو يكلفون بمادتها العلمية ومحتواها الإعلامي، ينقسمون بين تجار المنصات، الذين يرددون كلاماً مكروراً لأوراق علمية معدة سلفاً تصلح لكل مكان وزمان بزعمهم، ووعاظ رماديون يريدون الحفاظ على جمهور لا يطربه شيء مثل الخطاب المتطرف، ويطعّمون خطابهم ببعض ما يوحي المواطنة الصالحة والوطنية الحقّة، ويضاف إليهم بعض الفارغين علمياً وعملياً وثقافياً، وهم الأقرب الذين يرغب المفيد إفادتهم دون تحقيق فائدة عامة!
هذا حال بعض الحملات «المُكلفة» المعنية بالتوعية لمواجهة الفكر المتطرف والإرهابي أو بعض الظواهر المجتمعية السلبية.. لن يحل الأزمة الفكرية أكاديميون يستخدمون لغة مقعّرة، ولن يحلها تنظير لا يتعدى الورقة، ولن يحلها إعلام يستخدم الأدوات التقليدية التي لم تؤثر في زمنها حتى تؤثر في هذا الزمن.. المجتمع بحاجة إلى من يفهمه جيداً، ليتعامل معه بالطريقة التي تنفعه وتحدث تأثيراً. كيف ستواجه «فكرياً» قضية دينية وأمنية واجتماعية مثل الإرهاب، وأنت تتعامل مع مجتمع متدين، والخيط رفيع ظاهرياً بين النقيضين الالتزام والتطرف، رغم الاختلاف الجذري في المنهج والأسلوب والتعاطي مع الحياة بكل تفاصيلها، يجب أن نعرف جيداً منابت التطرف، وتدرجاته، ونفرق بين المتطرف الأصيل، والمتطرف الرمادي، والمتطرف التابع، والنماذج الثلاثة موجودة في مجتمعنا، ونراها في كل مكان.
المسيسون من أتباع المناهج الفكرية الدينية المتطرفة، هم السبب الرئيس لداء الإرهاب، وهناك عدد ليس قليلاً ممن اختلط عليهم الفهم الخاطىء الذي أصّله ورسّخه المسيسون، وأصبحت مخالفته بمثابة مخالفة صحيح الدين عند بعض العوام. يجب أن يطهر المجتمع نفسه بنفسه، وهذا لا يعني بأن الدور السياسي يقف عند الأداء الحكومي والذي أعتبره رائعاً في مواجهة التطرف ميدانياً، ولكن هذا الدور لا يمكنه القيام بكل شيء، وليشعر المجتمع بالمسؤولية ويشترك في مواجهة التحدي، ليُقدّر معنى الجهد الذي بذله ويؤمن بما قام به.
هذا الدور المجتمعي لا تحفزه الندوات، ولا تحركه الحملات سالفة الذكر،، نحتاج فقط إلى إعلام أمني منفتح، وشراكة حقيقية بين الإعلاميين ورجال الأمن، وعمل توعوي نوعي وقريب من الناس، وفق إستراتيجية «قابلة للتطبيق» لتحقيق الهدف الإعلامي.
وزارة الداخلية رغم أنها جهاز أمني عسكري وحقق النجاح بشهادة العالم أجمع في مواجهة الإرهاب، إلا أنه قام بعمل مشكور في الجانب الفكري المجتمعي، ولكن كما ذكرت، الأمن الفكري ليس دوراً حكومياً فقط، والمطلوب أن تترجم الإرادة السياسية إلى مبادرات عملية ذكية ومدعومة حكومياً. الهدف الأول والأهم برأيي هو تبييض الرمادي قبل محاربة الأسود، وأن لا يقبل المجتمع قبل الحكومة الرأي المحايد عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن وسلامة أراضيه، كل مصائبنا من رماديين يعيشون بيننا وفي داخلهم حقد على حكومتهم ومواطنيهم، وإيمان عميق بفكرة الدم والقتل، وإن لبسوا أحسن الملابس وركبوا أفخر السيارات.
الحركيون أعداء الدولة شعباً وحكومة وثقافة وعقيدة.. يجب أن نفهم هذا جيداً.