عروبة المنيف
تلك الحادثة المأساوية التي حدثت في مدينة جدة ورواها الطبيب المعالج والمتخصص في الحروق والتجميل وتناقلتها وسائل إعلامية متعددة، إنها قصة ابنة الأعوام الخمسة التي سكبت الخادمة الزيت المغلي فوق رأسها ما سبب لها حروقًا بالغة في كامل جسمها ومن الدرجة الثالثة وهي ترقد الآن في العناية المركزة بين الموت والحياة.
غضب «الخادمة» كان بسبب تقريع «أم الطفلة» لها ونعتها بـ»الحمارة» وبأنها لا «تجيد قلي السمبوسة» وقد كانت الطفلة برفقة الخادمة وقت الحادثة، فما كان من الخادمة إلا أن سكبت الزيت المغلي فوق رأس الطفلة لتثبت للأم بأنها تجيد القلي، ولكن قلي من نوع آخر!.
تعد الحادثة مؤشرًا خطيرًا لقضية لطالما بسببها تمنعت دول عديدة من تصدير عمالتها للعمل لدينا، إنها قضية «سوء معاملة الخدم»، سيقول قائل: «نحن لا نقصر معهم»، نمدهم بالمال والغذاء والكساء، هل هذه هي المعاملة الحسنة؟!، ما يجب أن نعيه هو أن «الخادمة» ليست «أما» وليست «طباخة»، هي «معاونة» فقط لسيدتها في الأعباء المنزلية، وتوكيلها بمهام تفوق قدراتها وإمكاناتها ومؤهلاتها هو سوء معاملة بحد ذاته، ما يجعلها مشحونة بالغضب والحسرة والشعور بالاضطهاد طوال اليوم، تأخذ القضية أيضًا أبعادًا أخرى، إِذ كيف نحمل الخادمة أعمالاً لا نطيقها نحن «أرباب العمل» من كثرة مسؤولياتها وحجم مهامها، فكيف بالخادمة الضعيفة التي في الغالب تكون مهاراتها وقدراتها محدودة؟!، كيف نوكل تربية فلذات أكبادنا على من لا تفقه أصول التربية وتأثيراتها على مستقبل الطفل شيئًا؟ ونوكل إطعام أسرنا على من لا تفقه بفوائد الغذاء وتداعياته على الصحة شيئًا؟، فتربية الأطفال وتغذية الأسرة علم وفن يتطلب وعيًا وثقافة ومهارة خاصة لا تتوافر عادة لدى الخادمة القادمة من خلفيات اجتماعية محدودة التعليم والمهارات أو لربما لا يكون لديها في الأصل لا التعليم ولا المهارة اللازمة لإدارة أسرة!، البعد الأعمق لتلك القضية هو الفوقية التي نمارسها على من هم أدنى منا في السلم الاجتماعي كـ»الخدم»، ذلك الاستعلاء جعلنا نعاملهم بفظاظه وقسوة وعدم احترام وتقدير لما يكابدونه من أجل لقمة العيش التي نمن عليهم بها!. على الرغم من أن هناك من يعامل الخدم بطريقة إِنسانية «فالتعميم جائر للجميع» ولكن ينبغي أن نتنبه إلى تداعياتها الخطيرة في الحاضر وفي المستقبل.
على الرغم من التدين المجتمعي الظاهر وممارستنا للطقوس والشعائر الدينية، إلا أن حس الفوقية ما زال عاميًا للقلوب التي لم تلنها الطقوس ومجهلاً للعقول التي لم تنيرها التعاليم الدينية الداعية للتسامح وللمحبة وللعطف وللمساواة بين البشر، حتى حق علينا القول «كمثل الحمار يحمل أسفارًا»، فقد أصبحت العبادات خاوية لا ندرك معانيها الحقة، فلا هي لينت القلوب ولا هذبت النفوس ولا أنارت العقول لنشعر بالآخرين وبمعاناتهم، فما جدوى التدين إذا لم يهذب سلوكياتنا تجاه الآخرين، ويجعلنا نتفكر بحكمة الخالق وأتساءل: «لماذا خلقت أنا سيدة وهي خادمة»؟
أختم بمقولة «الكلمة الطيبة طائر جميل حين تطلق سراحه من لسانك سيغرد في صدور الآخرين».