سعود عبدالعزيز الجنيدل
زرت الصيدلية مؤخرًا ومعي وصفة طبية (prescription)، كتبها لي أحد الأطباء. وبصراحة، أتعجب من كتابة بعض الأطباء الوصفات، التي غالبًا ما تكون أشبه بالطلاسم، حتى إن بعض الصيدليين لا يستطيع فك تلك الطلاسم؛ ما يحتم عليّ البحث عن صيدلي آخر..
الحمد لله أن الصيدلي استطاع قراءة تلك الطلاسم. وأثناء وجودي عند الكاونتر رأيت امرأة - تقريبًا في العقد الثالث - تحمل كيسًا مليئًا بالأدوية. وفي الحقيقة استغربت لكثرة تلك الأدوية التي بحوزتها..
بدأ الصيدلي يشرح طريقة الاستعمال لهذه الأدوية.. وقد فوجئت بالأعراض التي تستلزمها، وذكر منها:
الزهايمر.. الأرق.. التبول اللاإرادي.. تعب نفسي.. سيلان الدم..
وجدت نفسي أنظر بشكل عفوي إلى هذه المرأة، والفضول يغمرني، هل كل هذه الأدوية لهذه السيدة التي لم تتجاوز عقدها الثالث!؟
في خضم ذاك الذهول الذي غمرني من رأسي حتى أخمص قدمي جاء شاب في عقده العشرين، ووقف مع السيدة يستمع إلى تعليمات الصيدلي، وإذا به يقول «هذه الأدوية لرجل يبلغ من العمر 86 سنة». عندها تنفست الصعداء، وانزاح الهم الذي كان في صدري؛ لكوني رأيت هذه المرأة وهي في ريعان شبابها، وخلتها تعاني كلَّ هذه الأمراض.. لكن القصة لم تنتهِ هنا..
بعدما استكمل الصيدلي الشرح خرج الشاب، وبقيت المرأة تستمع لبقية التعليمات. في تلك الأثناء حضر الصيدلي الآخر، وأعطاني العلاج الذي طلبته منه، وناولته بطاقة الصراف؛ لكوني لا أحبذ حمل النقد معي. وبعدما أدخلت الرقم السري سمعت المرأة تقول للصيدلي «هذه الأدوية لزوجي»!!!
ومن دون شعور قال الصيدلي الذي يحاسبني بلهجة عامية، وبصوت خافت «يخرب بيته؛ 86 سنة ومتزوجك إنتي». وحين شعر بنفسه رفع رأسه ورآني ماكثًا أمامه، كما كنت سابقًا، لم يتحرك مكاني، لكن الذهول الذي أصابه جعله يتكلم بالكلام الآنف، وهو لم يشعر بنفسه. وحين نظر إلي وجدني وجهًا خاليًا من التعبير، وجهًا خاليًا من المشاعر، وجهًا خاليًا من الأحاسيس.. وظللت هكذا إلى أن أخذت دوائي، وانصرفت، وازدادت حالتي سوءًا!
أيعقل أن تكون هذه الشابة متزوجة ذاك الهرم؟
أهي زوجة له؟ أم ممرضة؟ أم خادمة؟
أهي بيعة تمت؟ أم سلعة تم تداولها؟
وما الثمن الذي تم قبضه؟
وهل يستحق كل هذه التضحية؟
يا إلهي، كل هذه الأسئلة جاشت في صدري، وكلي أمل أن تكون هذه هي الحالة الوحيدة، ولا تكون فقط أنموذجًا لحالات كثيرة مشابهة لها.. حالات كثيرة تعاني في البيوت وخلف تلك الجُدُر، لا يعلم بمعاناتهن إلا الخالق سبحانه.