أمل بنت فهد
لا شك أن جريمة التوأم عصية على الاستيعاب.. فاجعة استيقظ عليها المجتمع السعودي بغيبوبة حزن ستأخذ وقتا طويلا حتى نستطيع أن نتحدث عنها دون اختناقنا بالعبرات.. ووقتاً أطول لنجد كلاماً يمكنه أن يشرح ما حدث.
وستبقى الأسئلة عالقة لا تجرؤ على الإجابة.. لكننا نحتاج أن نعرف.. أن نفهم.. كيف استطاع المحرض أن يكسر أقدس رابط بين أب وابنه.. بين أم وابنها.. بين أخ وأخوه.. وقبل هذا كله أعتقد أن الصدمة الأكبر هي الدهشة الساذجة التي بدت على ردود الأفعال.. فالدهشة تعني الاستغراب.. والاستغراب بدوره يعني أن المجتمع لم يدرك خطر المنهج التكفيري كما يجب.. ولم يفهم إلى الآن ما هو قادر عليه.. المجتمع لا يزال يعول على طيبته التي تمنع من الإيذاء.. بينما الحقيقة أبعد من ذلك بكثير.. وأشد ظلمة وظلماً.. المنهج التكفيري أخطر من المخدرات.. فالمخدر مؤثر يمكن أن يفقد فعاليته بعد أن يأخذ وقته.. ويصحو صاحبه ولو لدقائق.. أما أصحاب المنهج التكفيري فهم في وضع مختلف جملة وتفصيلاً.
وأعتقد أن معرفة من هو التكفيري الذي يعيش بيننا بثياب القريب وهو العدو لا تقل أهمية عن فهم عقلية التكفيري.. كيف يفكر وكيف يشعر.. فالقضية متشعبة بين تكفيري واضح المعالم.. وتكفيري محتمل.. ومحرض لابد أن تحدد هويته.. وطريقته.. وأساليبه الأعمق تأثيراً.
التكفيري يعيش فكرة «شيطنة الآخر» بمعنى أن له معايير لتصنيف الناس لا يأخذ في اعتباره أي روابط.. فإذا انطبقت معاييره على أحد.. فإن العقاب مصيره.. يبدأ من القطيعة وينتهي بالقتل.. لا أحد بمعزل عن اعتقاده.. فهو غير مرتبط عاطفياً بأي شيء.. عدا الولاء المطلق لفكرته.. ولمن شرّع المعايير.. لن يرحمك لأنه لا يشعر بك البته.. إنه يعيش فكرة جهادية ضدك.. فأنت محور المجاهدة.. إنه منفصل عاطفياً عن محيطه.. لا يستطيع أن يُحِب.. لذا لا يهمه أن يُحَب أو يُكره.. هذا الانفصال العاطفي لم يأت بين يوم وليلة.. إنما حدث في وقت مبكر.. وأسميها الإصابة الفكرية.. لأن المشاعر مرتبطة بالأفكار.. وتحدد نوعها وهويتها.
وصناعة الإرهابي والمتطرف والتكفيري صناعة قديمة جداً.. وكثير من المجازر التي شهدها التاريخ والتي ستقوم مستقبلاً.. تبدأ بنفس الفكرة.. فكرة التطهير.. وإزالة العوائق التي تهدد الهدف الكبير.. وغالباً هذا الهدف يصاغ بطريقة غاية في النقاء.. والخلاص.. والفضيلة.. والطهارة.. ومن أجله تُباح الوسائل.. ويسحق كل ما يعترض الطريق.. وهكذا تكرار لا يمل القتل والتدمير.
التكفير يعني أن يصنف الناس بين عدو لله وآخر مؤمن.. لا ثالث لهما.. التكفير إما أن تكون معنا أو ضدنا.. التكفير توقع الشر المحض في البشر.. التكفير فرصة لتفعيل الغرائز المشوهة.. التكفير بحر دماء لن يكف عن الجريان حتى نعرف منبعه ونردمه.. التكفير لا يستطيع أن يعيش بداخل مخلوق يعيش الحب.. ولا يمكنه أن يكبر أمام مخلوق يحب الحياة.. التكفير تسحقه الإنسانية إذا تركنا لها مجالاً أن تساوي بين البشر.. وأن تجعل معيار الأفضلية بعيدا عن ما تفكر به.. بل فيما تفعله وتقدمه.. التكفير لا يستطيع أن يمد نفوذه بين بشر تفهم أن العدل والرحمة لا تتعارض مع الاختلاف.
التكفير ليس فكرة لعبة الكترونية.. وليس مجرد أسباب.. إنه نهج قديم وليس بجديد.. هو ذاته «شيطنة الآخر» واعتبار الذات أرفع من الآخر بسبب عقيدتها.. التكفير يبدأ منذ زرع فكرة نحن الأفضل.. نحن الأتقى.