يوسف المحيميد
لم يستطع المجتمع أن يستوعب جريمة الحمراء بالرياض، وحجم البشاعة فيها، فمهما استطعنا أن نطلق المخيلة في براري الجنون، لا يمكن أن نتخيل ابنين يستدرجان أمهما الستينية، إلى المستودع في البيت، وهما يخبئان السكاكين والساطور تحت ثيابهما، ويعاجلانها بطعنة غادرة، ثم يكملان بنحرها، لا يمكن أن نكف مخيلتنا عن نظراتها العاتبة تجاه أيديهما الملطخة بالدم، ولا أن نصم آذاننا عن صرختها المكتومة بألم وعتاب، وهي تحاول أن تحمي بيديها الطاهرتين مكان الطعنة الغادرة، أي جنون يحرض على قتل امرأة مسنَّة، مسلمة، صائمة وقائمة، قتل أم منحت ابنيها قوت الحياة، وكافآها بالموت، تلك الأم التي حملتهما كرها ووضعتهما كرها، وأرضعتهما شهورا، وسهرت وكابدت، وقابلا كل ذلك بجريمة بشعة وغادرة أصابت الجميع بالوجوم والدهشة والأسئلة!
كتبنا مرارا عن التطرّف الذي يقود إلى التكفير، لكننا لم نتخيل أن يقتل المرء أمه وأبيه، انتقدنا مناهج التعليم، ونظام التعليم الذي يكرس التلقين، وبكينا على غياب العقل الناقد، الذي يفرز الخطأ من الصواب، لكن الأمر بقي كما هو عليه، فهؤلاء الذين تتبدل وجوههم، وتتبدل أدواتهم، وتبقى أدوارهم كما هي، يحرضون بطرق مختلفة على الخروج على طاعة ولي الأمر، وعلى طاعة الوالدين، بل والتقرب إلى الله والجنة بقتلهما!
منذ الثمانينات، حيث أشرطة الكاسيت التي يوزعها متطوعون في كل مكان، حتى في صحن الحرم المكي، وحتى الألفية الجديدة، حيث مواقع التواصل الاجتماعي التي يبث فيها هؤلاء سمومهم، بالكتابة ومقاطع الفيديو، يحرضون أبناء المسلمين على القتل والتفجير، على قتل أهاليهم، والتفجير في مساجد الله، وزعزعة أمن أوطانهم، وعلى الخروج إلى مواقع النزاع والصراع والفتنة!
منذ التفجيرات التي تستهدف الأجانب، المعاهدين، بوصفهم كفارا حسب هؤلاء، وحتى قتل الأقارب غيلة، وتصويرهم إمعانا في الإفساد في الأرض، ونحن نعاني من التشدد والتطرف والتكفير! ومنذ الصيحة الشهيرة: تكفى يا سعد، التي لم تعبر فقط عن توسل رجل إلى قريبه كي لا يطلق رصاصة الغدر، وإنما تعبر عن صيحة المجتمع التحذيرية العالية، المجتمع بأكمله، التي كتبنا وقتها بأنها صيحة تحذيرية لما سيأتي بعدها من صيحات عالية تصف هول مصائب ونكبات هذا المجتمع المسالم، وها هي جريمة الحمراء تحدث وفي شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، فتهز أبداننا هزّا، ولا تستوعب عقولنا الصغيرة أن يقدم ابن نشأ في مجتمع مسلم على تمرير سكينا حادة على حنجرة أم بكت حزنا عليه داهمته حمى أو مرض من أمراض الطفولة!
إن الأمر الذي يجب أن نؤمن فيه هو كيف يصبح أبناؤنا قادرين على التفكير والتحليل، كيف نعيد العقل من نزهته الطويلة، كيف نوقد المعرفة والثقافة في أذهان أبنائنا بدلا من التبعية والتسليم؟