العين مرآة النفس وبوابة العبور إلى الآخر، والأداة المعبرة من دون كلام. وهي ليست مجرد حاسة من حواس الإنسان، بل هي من أهم الحواس التي تُحقق التواصل عبر إيحاءاتها، وربما كانت العين هي الحاسة الوحيدة التي تتأثر بالحالة الانفعالية للإنسان، وبالشعور العاطفي لديه. فالعين تترضى ما تحبّ وتغفل عما تكره، وقد عبّر عن ذلك الشاعر عمر بن أبي ربيعة بقوله:
وعين الرضى عن كل عيب كليلة ولكن عين البغض تبدي المساويا ولقد كانت العين مصدر إلهام الشعراء على مرّ الأزمنة وتعاقب العصور ومجالاً لافتتانهم بها، فرسموا لها لوحات لم تصفها من خلال وظيفتها العضوية فحسب، بل بما تمثله من قيمة تعبيرية كونها تشكّل العنصر الجمالي الذي جعل من العين سحراً يفتن الألباب ويسلب العقول.
ويمكننا أن نصنف وصف الشعراء للعين وفق حالاتهم النفسية والانفعالية بها، فالعين عند امرئ القيس هي العين الباصرة المستعطفة، وقد اقترنت بالدموع استدراراً للشفقة، يقول:
وما ذرفت عيناك إلا لترتمي بسهميك في أعشار قلب مقتل وقد أفرد ابن حزم للحالة الحركية للعين بابا في طوق الحمامة، فرأى في إطالة النظر دليل على توجع وأسى وكسر النظر علامة فرح، وقلب الحدقة في وسط العين بسرعة إشارة إلى الامتناع، ووجد في النظر في آخر العين الواحدة نهي عن الأمر. وقد اتخذت العين عند الشعراء أبعادا نفسية تجاوزت قيمتها الجمالية، فمنحت تسميات وتوصيفات، فهي عند علي بن الجهم العين الجالبة والمسببة للحب:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري أما عند جرير فالعين بجمالها قاتلة بلا شفقة:
إن العيون التي في طرفها حور قتللنا ثم لم يحيين قتلانا وعند المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس تتألق العين إشعاعات وامضة فتنكشف في ألق الكلمات لتكون مجالا للفتنة ومسببة للموت في آن معاً، فلا يكون تأثيرها مقتصراً على الجانب المعنوي وحسب، بل تتجاوزه إلى إمكانية تجاوز الممكن، فتصبح قادرة على فعل المستحيل:
وفتانة العينين قتالة الهوى إذا نفخت شيخاً روائحها شبا ويحاول المتنبي استكناه حالات النفس البشرية فيغوص في دواخلها ليكشف عن خبايا إرهاصاتها، وما يعتمل فيها من مشاعر قلق وحيرة واضطراب تتبدى من خلال العين، فها هو يرسم لنا حركة العين المضطربة بقوله:
أدرن لنا عيوناً حائرات كأنها مركبة أحداقها فوق زنبق فالمشهد يبرز براعة التصوير فحركة العين تشعر بالحالة الانفعالية للنفس، وهي تتماهى مع حركة الزنبق، ليكون هذا التقابل مجالاً للمواءمة بين اضطراب الذات وقلقها وحيرتها. وهكذا تبقى العين شاغلة الشعراء وتبقى مفتاحاً جمالياً من مفاتيح قراءة الشعر.
- طامي دغيليب