سعود عبدالعزيز الجنيدل
من منا لم تأسر عقله تلك الحكايات العالمية التي كنّا نشاهدها أيام الطفولة، فتارة تأتي الحكاية من التراث الإنجليزي، وتارة أخرى من التراث الفرنسي...
حكايات قصيرة لا تتجاوز سردها عشر دقائق، ولكنها كانت كافية لتجعلنا متسمرين أمام التلفاز، وعيوننا محدقة بالشاشة، لا يكاد يرمش لنا جفن. ما أجمل تلك الأيام.
قبل أيام مضت دخلت المنزل ووجدت ابنتي الجميلة «سارة» تشاهد حلقة من تلك الحكايات، ووجدت نفسي لا إرادياً أجلس بجانبها لكي أشاهد معها متذكرًا تلك الطفولة البريئة.
لكن تلك الحكاية أرادت تكدير خاطري، عوضاً عن إرجاعي إلى تلك الطفولة التي مضت، كان عنوان الحكاية «البطة الغريبة الشكل»، والتي ألخصها بما يلي:
بدأت الحكاية ببطة تحاول تفقيس بيضها، وما هي إلا لحظات قليلة حتى فَقَسَت ست بيضات، وبقيت واحدة كبيرة لم تفقس، وبعد أيام فَقَسَت لتخرج منها بطة لونها داكن يميل إلى السواد! ومع أنها كانت غريبة الشكل - كانت قبيحة المنظر كما وصفتها راوية الحكاية باللغة العربية -، مما جعل الكل ينفر منها إلا أن أمها أحبتها، وأصبحت تدافع عنها، ولكن محاولات الأم المستميتة باءت بالفشل لأن الكل كان يعاملها بقسوة بسبب لونها الغريب وبسبب قبح منظرها!
وبعد أيام يئست البطة الغريبة من كره المحيطين بها، فقررت الهرب، وبعد مغامرات كثيرة انتهى بها المطاف في إحدى البحيرات تتأمل في انعكاس صورتها على الماء، إذ بها تتفاجأ أن لونها تحول إلى البياض، وأنها أصبحت بجعة جميلة المنظر!.
وفي الحقيقة أنني غضبت تماماً من هذه الحكاية، ورجعت لكي أعرف من أي تراث كُتبتْ، ووجدتها مأخوذة من التراث القديم ولم يحدد من أي تراث، ولكنها كما أظن صالحة لكي تكون من أي تراث!
هذه الحكاية العالمية حملت وبكل وضوح عنصرية واضحة مقيتة للون، فالهدف منها هو التنفير من هذا اللون، وليس هذا فقط، فمن أجل إسعاد تلك البطة الغريبة الشكل واللون، جعلوها تتبرأ من لونها، ومن شكلها، لكي تعيش سعيدة، وكأن اللون الداكن يسبب الضنك والضيق والتعاسة، هذه الحكاية العالمية تزرع فينا العنصرية المقيتة، وكأن واقعنا تنقصه هذه العنصرية، والمصيبة تكمن من وجهة نظري أنها موجهة للأطفال، وفي الحقيقة لم أتجرأ وأسأل ابنتي عن فحوى هذه الحكاية، وحاولت إشغالها بأمر آخر، لا أريد لابنتي أن تكبر وهي تحمل هذه النبتة الفاسدة العفنة.
قد يقول أحد ما: مهلاً مهلاً ولا تجعل الأمر قضية كبيرة، فهي مجرد قصة للأطفال، وهم صغار، فأجيبه قائلاً:
معظم النار من مستصغر الشرر..
إلى اللقاء.