أ. د.عثمان بن صالح العامر
يعلمنا الرب- سبحانه وتعالى- بأول حادثة قتل في التاريخ، حيث أَقْدَمَ قابيل بن آدم على قتل أخيه هابيل، نتيجة عدم تقبل القربان منه كما هي آية المائدة!!!، والفاء -كما يقول أهل الاختصاص- للترتيب والتعقيب، إذ لم يكن هناك زمن بين هذه الأحداث المتتالية التي انتهت بما أخبر الله عنه بأنه القاتل {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (30) سورة المائدة.
أسأل- وأنا بصدق مفجوع ومدهوش وحائر ومتعجب، وقل ما شئت عن جميع الصدمات النفسية المتوقعة في مثل هذه الحال، أسأل وأجزم أن كثيراً مثلي يتساءلون (عن من طوعت لهما نفساهما قتل أمهما وطعن أبيهما وأخيهما معاً)!!!!، ومتى، وأين، ولماذا، وعلى ماذا، وبتوجيه من ؟؟؟ حادثة غريبة بكل المقاييس، وقتاً وحالاً وسببًا.
- الوقت، قريباً من فجر يوم عظيم، يوم الجمعة التاسع من شهر كريم، شهر رمضان المبارك {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(18) سورة الذاريات!!.
- وعمر الأم 67 عاماً، والأب 73 عاماً، والأخ 22 عاما، أين هما من قول الله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)} سورة الإسراء، أين هما من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ففيهما فجاهد» وقوله عليه الصلاة والسلام: «الجنة تحت أقدام الأمهات»!!! يا الله، يا الله.. يا الله.
- ويشهد للوالدين بالطاعة والمسابقة فيها، فهما ممن يعمر مساجد الله، أهل الخير والبذل والعطاء، وكان آخر عهدهما بالدينا كانت صلاة الترويح.
- والوضع الاقتصادي للعائلة جيد - كما يبدو - فالحي من أفضل الأحياء الجديدة في عاصمة بلد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية «الرياض»، بلد التوحيد والعقيدة السلفية الوسطية الصافية الصحيحة.
- والشابّان ابنا الثامنة عشرة من العمر، ومن المتفوقين دراسيًّا !!
- والجريمة ترتكب باسم الإسلام، والإسلام منها براء براء براء، بل إن هذا الدين العظيم جرّم كل سلوك دموي إرهابي فيه تخويف وتهديد للإنسان جنس الإنسان، فضلاً عن القتل بلا مبرر شرعي كما هو معروض في كتب الشريعة المعتبرة عند أهل السنة والجماعة.
بصدق لا يمكن أن تقول شيئاً في مثل هذا المشهد الدموي المحزن والمأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولكن ما يجب التعريج عليه في هذا المقام أن من الواجب أن يحاسب كل من جعل نفسي هذين الشابين تطاوعهما لاقتراف هذا المنكر الذي لم يسبق له مثيل (فطوعت له نفسه)، أي أنه بعد تفكير أفتى أو أُفتي له بالإقدام على هذا الفعل الشنيع، واقتنع أو أُقنع بما وقع منه في حادثة إرهابية شنيعة بكل الأعراف والشرائع والقوانين والمقاييس، وجزماً لن ينساها التاريخ.
واجب على الأسرة، الآباء والأمهات، أن يقوموا بواجبهم التربوي والديني والنفسي والاجتماعي على أكمل وجه، حتى لا يأتي اليوم الذي يقولان فيه: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ}(56) سورة الزمر. حفظ الله ذرياتنا، ووقاهم شر من به شر، وجنّبَهم سلوك شعب الشيطان وجنده، وحرسهم من اختطاف الفكر التطرفي الإرهابي الداعشي لهم ولغيرهم من أبناء المسلمين، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.