نظراً لما يتميز به هذا العصر من تفجّر معرفي مما يستدعي مواكبته خاصة ما يتعلق بمجال الطفولة، إذ أكّد الخبراء التربويون الذين اهتموا بقضايا الطفولة من خلال دراساتهم على أهمية السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل على تكوينه النفسي والجسمي، إذ لم تعد الحياة بسيطة كما كانت في الماضي؛ تقتصر على أن يتعلم الصغار من الكبار القيم والعادات الاجتماعية والتقاليد العائلية والصناعات اليدوية، وإنّما تعدت ذلك للعناية بكل العوامل التي تؤثر في تكوين شخصية الطفل وخاصة مع توفر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع بل أصبح الطفل أكثر التصاقاً وتأثراً بها.
لذا زادت أهمية رياض الأطفال لتنشئة الأطفال تنشئة متوازنة، ولردم الفجوة أو الفراغ الذي تتركه الأم الغائبة أو المنشغلة عن رعاية صغيرها «إما بسبب العمل، أو الطلاق، أو ترك الطفل تحت رحمة العاملات المنزليات......الخ « وقد ركزت وزارة التعليم على التوسع في افتتاح رياض الأطفال حرصاً على تهيئة الأطفال ليكونوا عناصر فاعلة ومبدعة ونافعة للمجتمع؛ عبر تسليحهم بالقيم والاتجاهات والمهارات اللازمة؛ لتحقيق هذه الغاية وصقلها وتنميتها تماشياً مع عمر الطفل واستعداداته، وسدّ الفراغ المتزايد لديهم00كون الروضة امتدادٌ للبيت تحتضن الطفل فتسدّ مسدّ أمه أثناء غيابها كون الطفل في هذه السن قابل للتعليم والتوجيه وخاصة إذا كانت المعلمة تجيد فن التعامل معه وكرّست جهودها لذلك، ولم تشغل بأعمال أخرى داخل الروضة تبعدها عن صلب عملها «لكي تقدم له الخبرات المناسبة لعمره العقلي» إذ أن لديه قابلية للتعليم، وشدة الحساسية لما يدور حوله، ولما يتعرض له من خبرات، فهي فترة نشاط جسمي كبير يمكن أن يتحرك معه التفكير وتُكتسب المهارات، وهي فترة الاتجاه الإيجابي نحو البيئة واستطلاعها والإفادة منها، وهي فترة الاتجاه نحو الآخرين والخروج من دائرة النفس الضيقة، وهي فترة قبول التوجيه الإيجابي نحو ما يصلح وما لا يصلح، وما ينبغي وما لا ينبغي، ونحو الخطأ والصواب، وهي فترة تكوين العادات مع استجابة للتوجيه الإيجابي السلوكي من القوى المحيطة في البيئة، كما أنها فترة الميل إلى الإبداع، وهي فترة التقبّل والتماس التشجيع من الآخرين، والحرص على أن تكون الذات موضع رضاهم...».
لكل هذه الخصائص فإن رياض الأطفال تتبوأ أهمية كبيرة في تهيئة نفس الصغير للمستقبل عند التحاقه بالمدرسة، وتكون الفائدة أعظم إذا كانت المعلمة مؤهلة وحريصة على تحقيق أهداف المرحلة وكانت الوسائل التعليمية متاحة لها.
ولكن من الملاحظ أن رياض الأطفال على وضعها الحالي شطحت عن أهدافها إذ تم إشغال القائمات على العملية التعليمية بأنشطة ومنافسات بعيدة كل البعد عن أهداف رياض الأطفال؛ إذ تعتبر الروضة الخطوة الأولى في مشوار التربية الطويل، ويمكن توضيح أبرز أهداف التربية والتعليم في رياض الأطفال فيما يأتي:
- أن يألف الطفل المدرسة وأنظمتها، ويعتاد الغرباء في المجتمع المدرسي.
- تدريب الطفل على التفكير المنطقي ليجني ثمار الألعاب التي يقوم بها.
- تنويع خبرات الطفل وتهذيبها من خلال الأنشطة التي يمارسها.
- أن يتدرب الطفل على تقبّل مشوار التربية الطويل والذي تعتبر الروضة أولى خطواته.
- أن يتقبل الطفل فكرة الانتقال من الألعاب التي هي لمجرد التسلية إلى الألعاب المفيدة التي تساعد على تنمية جسمه وعقله.
- تنظيم تصريف طاقات الطفل وتوجيهها لتحقيق أغراض تربوية وتعليمية.
- تهيئة الطفل للحياة الاجتماعية القائمة على احترام الطرف الآخر والتعاون معه.
ولكي تتمكن الروضة من تحقق هذه الأهداف يجب على القائمين والقائمات عليها أن يعملوا على:
ا- السعي إلى توفير المعلمة الذكية الحنون المتواضعة ذات الشخصية الجذّابة التي ستسهم في تكوين شخصية الطفل.
ب- الحرص على تهيئة البيئة الجاذبة التي تسهم في إشباع حاجة الطفل للتعرف على أطفالٍ في مثل سنّه، ويتفاعل معهم.
ج- توفير المستلزمات المادية التي تشبع حاجاته وتنمي مهارات التفكير لديه.
د- تدريب المعلمات على اكتشاف فئات الأطفال (العاديين- الموهوبين – ذوي الإعاقات) وتوفير الرعاية لهم بما يناسبهم.
هـ - توعية المعلمات بأساليب رعاية الطفل لما لها من دور كبير الأثر على التغيرات التي تحصل لدى الأطفال.
و- حث المعلمات على اجتناب التدليل الزائد للأطفال لأنه يضعف الثقة بالنفس ويقلل الاعتماد على النفس.
ل ـ البعد عن إشغال معلمة رياض الأطفال بأعمال تتسبب في بعدها عن مهمتها الأساسية.
وبناء على كلّ ما سبق توضيحه يتضح أنه ليست كل معلمة قادرة على التأثير الإيجابي في أطفال الروضة، و لا بد من أن تمتلك المعلمة الثقافة الواسعة التي تؤهلها لمعرفة خصائص نمو الأطفال، فتستطيع مساعدة الطفل على فهم البيئة المحيطة وكذلك القدرة على تزويد الأطفال بالقيم الوجدانية، والعمل على تنميتها باستمرار ولديها القدرة على النشاط والحركة؛ لكي تتمكن من متابعة الأطفال والجري معهم ومتابعتهم، والقدرة على التواصل مع أولياء الأمور؛ لأن التعرف على الطفل أمر في غاية الأهمية، ومن شأنه أن يضع أمام المعلمة أفضل الخيارات للتعامل معه والحنان وحب الأطفال واجتناب العنف أثناء تعاملها معهم، كلّها عوامل تجعل المعلمة محبوبة من تلاميذها، فتحظى بثقتهم، وسوف يرتقي عطاء المعلمة عند عدم إثقالها بمهام ثانوية تشغلها عن مهامها الأساسية مما يتسبب في عدم تحقيق أهداف المرحلة.