الطائف - سامي المنصوري:
في الوقت الذي تطرح فيه أسواق الطائف هذه الأيام إنتاجها الوفير والمتنوع من الفاكهة الموسمية المحلية، كثفت العمالة الوافدة سيطرتها على حركة البيع والشراء إلى درجة احتكارها لمعظم المنتجات التي ترد إلى السوق والتلاعب في الأسعار دون حسيب أو رقيب.
هنا في السوق المركزية للخضار والفاكهة في الطائف، حيث علامات كثيرة تدل على أن جميع مرافقه وأنشطته غارقة بامتياز في قبضة العمالة الوافدة، فجميع محلاته وأكشاكه وبسطاته تديرها العمالة، منهم من هو نظامي ومنهم من يعمل تحت غطاء التسر، ينافسون ابن البلد بشراسة ويتعاونون على مضايقته بكل الطرق والوسائل حتى يخرج من السوق أو يعلن استسلامه، وبهذا يتحكمون بالحركة الشرائية وتسييرها وفق ما يشاءون ويحددون الأسعار التي يريدون، من خلال تدابير واتفاقات تحاك بليل.
مواطنون ومصطافون وزوار للطائف جميعهم أبدوا في حديث لـ «الجزيرة» عن امتعاضهم جراء غياب الأجهزة الرقابية عن وضع السوق، متسائلين عن أمانة الكفلاء المتسترين على هؤلاء العمالة؟، وعن ضمير الشباب السعوديين من أبناء الطائف وأسباب غيابهم عن هذه الميزة النسبية التي تتميز بها منطقتهم عن غيرها من المناطق الأخرى، والاستفادة من هذه الفرصة التجارية التي تدر ذهبا؟. إلى التفاصيل..
تضخ مزارع الفاكهة الموسمية في الطائف والمنتشرة على ضفاف الأودية وعلى القمم الجبلية والمنحدرات التي تم استغلالها كمدرجات زراعية منذ أمد بعيدة كميات متباينة من الفاكهة التي تتميز بها الطائف عن غيرها من المناطق، حيث تشهد الأسواق حالياً وصول شُحنات متتابعة من فواكه العنب والرمان والتين والمشمش والخوخ، إضافة إلى البخارى والعناب والتفاح والتين الشوكي «البرشومي»، إلى جانب السفرجل والتوت وغيرها من الفواكه التي تشتهر الطائف بإنتاجها.
حميد الزايدي ـ سعودي من أهالي الطائف ـ تحدث لنا وهو مندهش جدا من غياب دور الجهات الرقابية في متابعة العمالة المخالفة التي تنتشر في السوق الخضار والفاكهة المركزية في الطائف وتتاجر بفاكهة الطائف الموسمية التي تجد إقبالا منقطع النظير خاصة من قبل زوار المنطقة والمصطافين.
ويقول: «إن العمالة تنشط في السوق بشكل كبير آخر النهار وتختفي بشكل كلي أثناء الصباح، وذلك لتوخي الحيطة والحذر من عيون مراقبي البلدية الذي يحضرون بشكل متقطع أثناء الصباح فقط».
مركز للضبط الأمني
ويؤكد الزايدي أن الحملات الأمنية والمداهمات المفاجئة لم تعد تحد من تأثير هذه العمالة الوافدة على سوق الخضار والفواكه المركزية في الطائف على الإطلاق، وذلك بسبب انقطاعها منذ فترة، مطالباً بأهمية توفير مركز للضبط الأمني في موقع السوق يعمل على مدار الساعة ويتابع أوضاع السوق.
هذا وتفوح من طرقات الطائف هذه الأيام ومن بين بساتينها روائح مع نسائمها العليلة حيث تنتشر مزارع الفاكهة الموسمية وتتوزع على جنبات أودية مثل: بني مالك، ثقيف، بني سعد، وثمالة، إلى جانب أودية «الهدا» و»الشفا» و»وادي محرم» و»بلاد قريش»، وتعد المراكز الجنوبية للمحافظة من أهم المراكز المنتجة لجميع أنواع الفواكه الطائفية.
احتكار وتلاعب بالأسعار
واستطاعت العمالة الوافدة وفقا لما يؤكده المواطن عبدالواهب الثبيتي - وهو من المتعاملين مع سوق الخضار والفاكهة في سوق الطائف المركزية ـ أن تحتكر البضائع والتلاعب في الأسعار. وقال: «يستغلون فترة وصول البضائع من المزارع ليلاً وشرائها بالكامل، وبعد ذلك تباع بالجملة بعد الحراج على التجار وأصحاب المحلات بعد أن يتم تجزئتها في كراتين صغيرة جداً ويقومون بخلط الجيد مع الرديء».
وتابع قائلا: «إذا وجدوا من ينافسهم من الباعة المواطنين يعمدون بعد أن يتم خلط بضاعتهم القديمة بالجديدة إلى كسر الأسعار بشكل كبير جدا، وذلك بالتواطؤ مع المحرجين والدلالين كي يجبروا الباعة السعوديين على البيع بخسارة أو الخروج من السوق».
ويشير الثبيتي إلى أن العمالة الوافدة العمالة تدخل في المزادات مع المواطنين في مخالفة صريحة للنظام الذي يمنع ذلك الأمر، حيث يوجد بضائع تأتي من مكة وجدة ويرغب أصحابها في بيعها بسوق الطائف على المصطافين والزوار وتحقيق أرباح جيدة والاستفادة من غياب دور الجهات الرقابية.
عزوف المواطنين
وأرجع عامر حمدان القرشي وهو مستثمر في مجال بيع الخضار في سوق الطائف منذ 47 عاماً ـ أسباب عزوف الشباب السعودي من العمل في مجال الخضار والفاكهة في سوق الطائف إلى هيمنة العمالة على السوق وممارستهم المنافسة الشرسة.
وقال: « كان السعوديون هنا في السابق بالمئات يزاولون نشاطهم براحة تامة قبل أن تهيمن العمالة على مجريات السوق ولم يتبق منهم الآن أقل من10 أشخاص».
وأضاف قائلا: «يوجد عمالة تمتهن هذا المجال بكثرة ولا يمنعها شيء عن تحقيق مبتغاهم ويجنون أرباحها طائلة فهم يقومون بتجزئة البضائع وخلطها وإقناع المستهلك بجودتها على الرغم من رداءتها من الداخل، وللأسف هناك الكثير ممن يقع في المصيدة ويعاود الشراء منهم مرة أخرى والكثير يفضل الشراء منهم في أغلب الأحيان».
ولفت القرشي إلى ارتفاع إيجارات المباسط إلى أرقام فلكية على الرغم من أن الأوضاع مأساوية في حركة البيع والشراء، مما أضطره هو وغيره من السعوديين بسبب تراجع البيع ومنافسة العمالة الوافدة إلى افتراش الأرصفة المجاورة للسوق المركزية في الطائف، مما أوقعهم تحت طائلة البلدية وملاحقتهم من المراقبين والحصول على مخالفات بلدية تجاوزت الـ 1200 ريال شهريا. مطالبا بضرورة توفير محلات كافية ومناسبة وخفض الإيجارات وتوفير عامل لكل محل، وخاصة لكبار السن الذين لا يستطيعون تحمل تبعات تحميل وتنزيل وترتيب البضائع.
وتعد محافظة الطائف من أشهر المصايف في المملكة، لما تمتاز به من برودة في الأجواء بسبب ارتفاعها عن سطح البحر، وهطول الأمطار الموسمية عليها. وتنشط هذه الأيام تحديدا من كل عام حركة الفواكه الموسمية في الطائف التي يبدأ المزارعون عرضها وتسويقها في أيام الإجازة الصيفية، والتي تشهد كثافة عالية في الزوار والمصطافين.
كفلاء متسترون
وفي السياق ذاته، تحدث لنا خالد العصيمي ـ وهو يعمل في تجارة الخضار والفاكهة المستوردة ـ بالقول: «إن الحركة الشرائية على المنتجات المستوردة قد انخفضت بنسبة40% خلال العام الحالي، مرجعا ذلك إلى وعي المستهلك بأهمية المنتج المحلي وجودة وارتفاع الطلب عليه.
ويؤكد العصيمي أن هناك الكثير من العمالة المخالفة تقوم باستئجار محلات تجارية باسم كفلائهم ويعطونهم عن كل يوم مبلغ 300 ريال، وعندما يأتي ابن البلد لمنافستهم فإنهم يحاولون إخراجه ومضايقته بصفة دائمة حتى أن البضائع لابد أن تشتريها منهم وتبيعها عليهم أيضاً حتى لو كانت من شركة خارجية، إذا يوجد لهم مساندون من أبناء جلدتهم مسؤولون في تلك الشركات، وهم منافسون حقيقيون لكبار التجار السعوديين في المنطقة.
يتاجرون بثمارنا
وينصح العصيمي الشباب السعودي بأهمية الاستفادة من الميزة النسبية لمنطقة الطائف وما تنتجه من فواكه صيفية تعد ثروة غير موجود في أي منطقة أخرى، وقطع الطريق على العمالة المخالفة من بالمتاجرة بثمار بلدنا.
وقال: «الشاب السعودي يثبت وجوده ويتقن عمله متى ما حصل على الدعم والرواتب المجزية والحوافز، وأن الوضع العام لسوق الخضار والفاكهة المركزية في الطائف تحتاج إلى مراقبة من قبل الأمانة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية بشكل مستمر، للسيطرة على المخالفين لأنظمة العمل الذي يأتون ببضاعة خارجية من المدن الأخرى ويحرجون عليها في الصالة المخصصة للمزارعين، وكل تلك البضائع بدون شهادة منشأ ولا يعرف مصدرها ويتم تفريغها في صناديق وكراتين وبيعها على المستهلكين في كراتين وكأنها خضار بلدية.
سكن ممرضات
ويطرح عبدالله السفياني ـ أحد المستثمرين في السوق ـ معاناتهم مع مستثمر جديد لسوق الخضار الفاكهة المركزي، عمد إلى استغلال السوق لصالحه دون مراعاة لظروف المستأجرين ـ على حد قوله ـ حيث قام بتأجير جزء من السوق وتحويله إلى سكن لممرضات وعاملات في مستشفى. معتبرا أن هذا الأمر تسبب في زيادة معاناتهم في الوقت الذي كانوا ينتظرون منه تهيئة المكان وخفض الإيجارات.
ويقول السفياني: «فوجئنا في البداية بأن أمانة الطائف قد وضعت لوحة لتحسين سوق الخضار وتم على إثرها إزالة المباسط ومحلات الدلالين وبعد أن تمت عملية الإخلاء تمت إزالة لوحة المستثمر وتم وضع لوحة لمستثمر آخر وقام بتحويل المباسط الصغيرة إلى دكاكين ومحلات مؤجرة تعلوها غرف سكنية تم تأجيرها على ممرضات وعاملات نظافة يعملن في مستشفى حكومي».