«الجزيرة» - (أ.ف.ب):
طالبت الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي السبت، بريطانيا بالشروع «في أسرع وقت ممكن» في آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما أكَّدت فرنسا أن تعيين رئيس جديد للحكومة البريطانية أمر «ملح».
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير السبت في ختام اجتماع لوزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي في برلين «نقول هنا معًا أن هذه العملية يجب أن تبدأ بأسرع وقت حتى لا نجد أنفسنا غارقين في مأزق». وكان الوزير الألماني يتحدث محاطًا بوزراء خارجية فرنسا جان مارك ايرولت وهولندا بيرت كوندرس وإيطاليا باولو جنتيلوني وبلجيكا ديدييه ريندرز ولوكسمبورغ جان أسلبورن. وأضاف «يجب أن تكون لدينا إمكانية الاهتمام بمستقبل أوروبا»، مطالبًا بتطبيق المادة 50 من اتفاقية لشبونة التي تنص على انسحاب طوعي وأحادي من الاتحاد الأوروبي.
من جهته، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت إلى تعيين رئيس وزراء بريطاني جديد بأسرع وقت ممكن خلفًا لديفيد كاميرون الذي استقال إثر قرار البريطانيين الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وقال آيرولت بعد لقاء مع نظرائه من الدول الخمس الأخرى المؤسسة للاتحاد الأوروبي «بالتأكيد يجب تعيين رئيس وزراء جديد، الأمر سيستغرق على الأرجح بضعة أيام لكنه ملح» من دون المزيد من التوضيحات. وأكَّد الوزير الفرنسي «نطلب احترام المادة 50 وتطبيقها.
الأمر ملح ويخدم مصلحة البريطانيين والأوروبيين على حد سواء. نطلب احترام (الدول) الـ27 الأخرى». ودعا وزير الخارجية الهولندي أيضًا إلى «طي الصفحة في أسرع وقت ممكن». وشدد الوزراء الستة على ضرورة أن تقترب أوروبا من مواطنيها وتلبي تطلعاتهم وخصوصًا عبر مكافحة الأزمة الاقتصادية والبطالة والعمل على حل أزمة الهجرة وحتى القضايا الأمنية بعد اعتداءات بروكسل وباريس. وقال شتاينماير «علينا إعداد الردود معًا والبرهنة على أن أوروبا ليس ضرورية فحسب بل مؤهلة أيضا». وأضاف «نأمل في أن نتمكن من التركيز على هذه الردود وهذه هي رسالتنا للندن».
وفي بروكسل، أعلن المفوض الأوروبي للخدمات المالية البريطاني جوناثان هيل السبت استقالته من هذا المنصب، معبرًا عن «خيبة أمله الكبيرة» من قرار مواطنيه مغادرة الاتحاد. وقال هيل في بيان بعد يومين على الاستفتاء الذي قررت فيه أغلبية البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي «بما أننا ننتقل إلى مرحلة جديدة، اعتقد أنه ليس من الجيد أن اواصل العمل بصفتي مفوضًا بريطانيًا وكأن شيئًا لم يحدث».
من ناحية أخرى، تجاهد الشركات الأمريكية الكبرى بعد صدمة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، لعدم الاستسلام للذعر، لكنها تطالب بتوضيحات حول مستقبل السوق البريطانية التي شكلت تقليديًا بالنسبة لها بوابة الدخول إلى القارة الأوروبية. وعمدت مجموعة واسعة من أبرز الشركات الأمريكية، من سلسلات متاجر الملابس إلى شركات السيارات، لفترة طويلة إلى تركيز أنشطتها في بريطانيا وقد جذبها إليها نظام ضريبي مؤات فضلاً عن لغة وثقافة مشتركتين، إنما كذلك إمكانية الوصول من خلال هذا البلد إلى السوق الأوروبية المشتركة وإلى مئات ملايين المستهلكين فيها. وقال رئيس غرفة التجارة الأمريكية، مجموعة الضغط الواسعة النفوذ لأرباب العمل، توماس دونهيو إن «الاستثمارات الأمريكية في بريطانيا تزيد قيمتها الإجمالية عن 500 مليار دولار، وتم عديد منها بهدف الوصول إلى المستهلكين البريطانيين، إنما كذلك إلى المستهلكين في القارة الأوروبية». وبريطانيا التي بلغت صادراتها 56.1 مليار دولار عام 2015، تفرض نفسها بصفتها الوجهة الرئيسة للمنتجات الأمريكية في الاتحاد الأوروبي. كما أن قطاع الخدمات، ولا سيما الخدمات المالية، له حضور واسع في حي المال والأعمال في لندن حيث توظف شركات وول ستريت العملاقة عشرات آلاف الأشخاص. ودعت بعض كبرى شركات القطاع الصناعي الأمريكي إلى بقاء بريطانيا في الكتلة الأوروبية خلال الحملات التي سبقت الاستفتاء الخميس.
ضمانات
هل تعيد نتيجة الاستفتاء البريطاني توزيع الأوراق وتحد من الاستثمارات الأمريكية في المملكة المتحدة؟ تمتنع بعض الشركات الأمريكية الكبرى عن إطلاق أحكام متسرعة ردًا على أسئلة وكالة فرانس برس بهذا الصدد، غير أنها تبدي بحزم رغبتها في معرفة المزيد حول العلاقات الاقتصادية الجديدة التي يتحتم على بريطانيا الآن إقامتها مع شركائها السابقين في الاتحاد الأوروبي. وقال مدير فرع شركة «كاتربيلار» الأمريكية العملاقة للبناء في بريطانيا مارك دورسيت إن «بريطانيا عنصر محوري في سلسلة إنتاجنا الأوروبي ونحض جميع الأطراف على التوصل إلى اتفاق يبدد الغموض سريعًا ويسمح لبريطانيا بالاحتفاظ بمدخل كامل وتام إلى السوق الأوروبية الموحدة».
وهنا تكمن النقطة المركزية التي تدور حولها التساؤلات الأمريكية: فهل ستستمر المملكة المتحدة في الاستفادة من حرية تنقل البضائع والأشخاص داخل الاتحاد الأوروبي؟ هذا ما تأمل به شركة فورد للسيارات التي توظف 14 ألف شخص في المملكة المتحدة وتحقق فيها حوالي خمس إيراداتها، وهي لا تستبعد تغييرًا استراتيجيًا في حال لم تعد تجني المنافع ذاتها من أنشطتها في هذا البلد.
وقال المتحدث باسمها جون غاردينر إن «فورد ستتخذ كل الخطوات الضرورية للتثبت من أن منتجاتها تبقى تنافسية وتستمر في تأمين مردودية مستديمة»، مؤكدًا أنه لم يتم اتخاذ قرار بإجراء أي تغيير في الوقت الحاضر. كذلك دعت شركة «جنرال موتورز» للسيارات لندن وبروكسل إلى بدء المحادثات حول شراكة جديدة «بأسرع وقت ممكن» مطالبة ببعض الضمانات.
وقال المتحدث باسم الشركة الأولى للسيارات في الولايات المتحدة كلاوس بيتر مارتن «من المهم أن تستمر نشاطاتنا في الاستفادة من حرية تنقل البضائع والأشخاص خلال هذه الفترة».
خيبة أمل
وبعدما تراجعت العملة البريطانية إزاء الدولار واليورو فور صدور نتيجة الاستفتاء، فإن هبوطًا متواصلاً في قيمتها قد يحمل البعض إلى مراجعة استراتيجيته. وتحقق مجموعة «بنسكي» الأمريكية للمواصلات ثلث إيراداتها الإجمالية في بريطانيا، وقد تعاني من تراجع عائداتها عند نقل أرباحها بالجنيه الأسترليني إلى الولايات المتحدة وتحويلها إلى الدولار. وأوضح انتوني بوردون أحد نواب رئيس المجموعة أن «تراجع الجنيه الأسترليني سيعني تراجع الإيرادات»، مقرًا بأن شركته أصيبت بـ»خيبة أمل» إزاء نتيجة الاستفتاء البريطاني. أما شركة «سيروكس» المتخصصة في الآلات الناسخة والواسعة الانتشار في بريطانيا، فتتفادى إبداء آراء واضحة، مشيرة فقط إلى أنها تدرس «العواقب على المدى البعيد» لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كذلك تكتفي مجموعات أخرى مثل «جنرال إلكتريك» بالقول إنها «تحترم قرار» الشعب البريطاني فيما تلزم بعض الشركات الصمت. ولم يصدر أي تعليق عن متاجر «غاب» للملابس التي تعد 131 متجرًا في بريطانيا، وعملاق المتاجر الكبرى «وول مارت» الذي ينشر 625 متجرًا تحت علامة «أسدا». وفي مقابل هذه المخاوف، فإن قطاعًا اقتصاديًا صغيرًا في الولايات المتحدة قد يجني أرباحًا من القرار البريطاني، إِذ أوضحت الجمعية الأمريكية لسماسرة العقارات أن بعض الأثرياء قد يرغبون في بيع أملاكهم في لندن والاستثمار في القطاع العقاري الفاخر بالولايات المتحدة.