نعم إنَّه البطل المُسلم محمد علي كلاي أُسطورة المُلاكمة، الذي بهر عيون العالم ورحل عن دُنياهم.. فالمتابع سيرته أنَّه وُلِدَ بمدينة لويفيل أكبر مدن ولاية كنتاكي السَّابعة والثلاثين في ترتيب الولايات الأمريكيَّة.
عُرِفَ أنَّه من أُصول إفريقيَّة شكَّلت أقليّات عرقيَّة في أمريكا، استعبدهم الأمريكيون في القرنين: الثامن عشر، والتاسع عشر الميلاديين، واستعمروهم في الأرض الخصبة؛ لاستزراع التبغ، والسكّر، والقطن، وغيرها من المزروعات التي اشتهرت بها الأراضي الأمريكيَّة، حيثُ كانوا قبل وصول الماكنة الزراعيَّة إلى مزارعهم يحرثون الأرض بآلاتهم، وينثرون البذور بأيديهم، ويجمعون المحاصيل بدوابهم..
ويُشرف عليهم حُرَّاس السجون مُستخدمين معهم العنف الجسدي دون رحمة لإنسانيتهم؛ لمواصلة العمل الذي لا يطيقه الإنسان!.
وُلِدَ كلاي من عائلة أصولها إفريقيَّة سكنت في الأحياء الشعبيَّة الفقيرة، وتعلَّم فنون الملاكمة وعُمره اثنا عشر عاماً؛ دفاعاً عن سرقة درّاجته الهوائيَّة، واستردادها من أحد الصبية، والحفاظ عليها من سرقة الآخرين!.
وواصل تعلّم الملاكمة، وحصل على الميداليَّة الذهبيَّة في الألعاب الأوليمبيَّة التي أُقيمت في روما وعمره ثمانية عشر عاماً. وذاع صيته في المُلاكمة داخل الولايات الأمريكيَّة، ومن ثم حصوله على لقب بطولة العالم في الملاكمة ثلاث مرات، وفوزه بضربة قاضية على خصمهِ سوني وليستون، وعُرف أنَّه صاحب سرعة اليد في توجيه اللكمات القاضية، والقبضة القويَّة الخاطفة، وقدميه الراقصتين، ومراوغته كالفراشة، وهجومه كالنحلة... ومن هذه الأساليب في الملاكمة نال الفوز تلو الفوز على مدى عشرين عاماً!.
لَعِب إحدي وستين مباراة، وفاز في ست وخمسين، وخسر خمس مباريات.. ومُنح وسام الحريَّة الذي يُعد من أرفع الأوسمة المدنيَّة التي يُقدّمها رئيس الجمهوريَّة للأفراد الذين قدَّموا خدمة لمصلحة أمريكا..
دَخَلَ الدين الإسلامي، وحظي باستقبال ملوك، ورؤساء، وأمراء البلدان العربيَّة، واستقبله جلالة الملك/ فيصل بن عبدالعزيز-رحمه الله- استقبالاً رائعاً، وتكريماً مُشرِّفاً، وبرنامجاً حافلاً من مُختلف الأوساط الرياضيَّة طيلة تواجده بمدينة الرياض.
هذا ويُعد البطل كلاي ناشطا إسلاميا، مدافعاً عن المسلمين السود في الولايات المتحدة الأمريكيَّة وغيرها من بلدان العالم التي فيها تمييز عنصري.. رفض التوجّه إلى فيتنام، والمشاركة في الحرب الأمريكيَّة عليها؛ لأنها حرب ظالمة، خسرت فيها فيتنام مليون قتيل، ودفع كلاي تضحية باهظة لعدم مشاركته في الحرب، والحكم عليه خمس سنوات سجنا، وتغريمه عشرة آلاف دولار، ومنعه من الملاكمة ثلاث سنوات، وتجريده من جميع الألقاب التي حصل عليها طيلة حياته الرياضيَّة!.
عُرِفَ أنه بطل الدفاع عن قضية العروق السوداء الذين كانوا يُناضلون من أجل المساواة، والدفاع عن حريتهم، وفقرهم، وقهرهم في أمريكا!.
كما عُرِفَ بطول كرم يده على الفقراء، والمساكين، والمحرومين، وبذل المال لمختلف الجمعيات الإنسانيَّة؛ لأجل مساعدة المحتاجين الذين يُعانون من فاقة الفقر في أمريكا، حيثُ وجدوا فيه نِعم المسلم الذي بذل ثروته لأجل إكرامهم إكراماً يليق بإنسانيتهم!.
أُصيب بمرض باركسون الذي يُعد من أكثر الأمراض التي تُصيب المشاهير، وأكثرها تأزماً مع تقدّم العُمر من أعراض الشلل الرعاشي، والاضطراب الحركي الذي عانى منه البطل كلاي إلى أن وافته منية الموت، وفقد العالم الإسلامي رمزاً من رموزه المؤثّرة عالميّاً.
هذا ونرفع أكف الدعاء إلى الله العليَّ القدير أن يرحمه، ويسكنه فسيح جناته الذي أعدها لعباده المؤمنين، وتعازينا للأمة الإسلاميَّة لمآثره الإنسانيَّة التي تتحدّث عن نفسها في الولايات المتحدة الأمريكيَّة وغيرها من بلدان العالم.
(إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون).
أحمد المنصور - بريدة - نادي القصيم الأدبي