خالد بن حمد المالك
لا يخامرني أدنى شك بأن ما تحقق في زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو يهم بمغادرة نيويورك إلى باريس شيء كثير ومهم بعد أيام من العمل المكثف واللقاءات المتنوعة، حيث كانت كل أبواب الاستثمارات، والدخول في عالم التقنية والترفيه، وبحث آفاق السياسة بعمق، واستعراض ما يمكن عمله لمواجهة الإرهاب، قد تم تناولها في مباحثاته خلال فترة الزيارة، مع المسؤولين في الحكومة وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، ومع القطاع الخاص، وفي مقدمة من تباحث معهم كبار المسؤولين في أكبر الشركات الأمريكية.
* *
ومن المؤكد أن المملكة تتجه إلى مثل هذه التفاهمات، وإلى تكثيف شراكاتها في مختلف مجالات التعاون، في أجواء ومناخات وبيئة حاضنة للأفكار التي تبناها الأمير الشاب في مباحثاته في الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل ولادة رؤية المملكة وقد شكلت مظلة لكل ما توصلت إليه زيارة الأمير محمد من تفاهمات واتفاقيات، هي ما أقنع الأمريكيين بالتجاوب مع العروض السعودية للاستثمار، وعلى تفهم الموقف السعودي من الإرهاب ومكافحته، ومن النظرة السعودية الواقعية لكيفية مواجهة التحديات التي تواجهها منطقتنا وفي العالم اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.
* *
لذلك حين نتحدث عن إيجابيات الزيارة، ويأخذنا الحماس لها، والتفاؤل معها، إلى حد الإكثار من التعليقات والتحليلات لزيارة محمد بن سلمان لثلاث مدن أمريكية مهمة، واجتماعاته المتواصلة والمكثفة ونوعية الموضوعات التي كانت مسار اهتمام وتفاهمات من سموه، فذلك لأننا وجدنا أنفسنا أمام حراك غير عادي لتطبيق ما جاء في الرؤية ورقياً والانتقال إلى مرحلة التنفيذ الحقيقي لها بما يبشر بمستقبل أكثر اطمئناناً للمواطنين، ومثل هذا الكلام لا يقال من فراغ، ولا يأتي كتعبير عن حلم، وإنما هو صدى لما شهدته واشنطن وسان فرانسيسكو ونيويورك من إنجازات كبيرة ونجاحات ملموسة في زيارة ولي ولي العهد لأمريكا في كل المجالات التي كانت ضمن أجندته وملفاته لتحقيق الأهداف التي يزور أمريكا من أجلها.
* *
ولا يكتفي الأمير بالحكومة الأمريكية كمحاور مع الجانب السعودي، من خلاله ومن خلال الوزراء والمستشارين الذين يرافقونه في هذه الزيارة، وإنما سهل سموه حتى للقطاع السعودي الخاص تمرير فرص لمن حضر منهم للحوار مع القطاع الأمريكي غير الحكومي تحت مظلة مجلس الأعمال السعودي - الأمريكي، وذلك باستدعائه مجموعة من رجال الأعمال والمسؤولين في الشركات السعودية، وجمعهم مع القيادات في الشركات الأمريكية العملاقة؛ للتفاهم على ما يمكن أن يكون مجال تعاون وتفاهم بينهم في شراكات تخدم كلاً من الجانبين؛ وذلك تحقيقاً لرؤية المملكة وبرنامج التحول الوطني، ووفق ما تتطلع إليه المملكة من تحقيق لطموحات وتطلعات أبنائها في ظل دعم وتوجيه ومتابعة الملك سلمان شخصياًً، ومن حماس لا يفتر وعزيمة لا تلين لدى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
* *
مختصر الكلام، أننا مهما قلنا عن الزيارة، ومهما كان تقييمنا لنتائجها، فإن ما تحقق أكبر بكثير من أن يختزل في بضع سطور، أو يتم تحليله بحسب ما أُعلن في عناوين محدودة عن مضامين التفاهمات والاتفاقيات وجداول أعمال المباحثات، وحسناً أننا أمام إنجازات كبيرة لم نعتد عليها، وعلى تعامل احترافي لم يكن مألوفاً عندنا من قبل، وأن فترة التنفيذ ستكون تحت المجهر، وأمام المتابعة الدقيقة، والمحاسبة الصارمة عن أي تقصير أو استرخاء أو إهمال يكون أي مسؤول مصدرها أو سبباً فيها، أي أننا سنكون أمام جدية في العمل، وإخلاص في التنفيذ، والتزام بما أوكل إلينا، لتكون النتائج بمقدار ما خُطط لها، وبما ينسجم مع تطلعات القيادة وطموحات المواطنين.
* *
لا شك أن هناك تحديات كثيرة، ومشواراً طويلاً لتنفيذ الرؤية بالدقة المطلوبة، وأننا أمام تحول وطني يتطلب تغييراً كاملاً في أسلوب وبيئة العمل، غير أن الشعور بذلك كان في حسبان الرؤية، فجاء فيها ما يُقلص التخوف إلى أدنى درجة بفضل الاحترازات والشفافية والوضوح، وهي عوامل لن تسمح بما يُعيق تطبيقها أو يؤخر تنفيذها عما تم إعلانه ووضع مساراً لتنفيذه، وهذا ما جعل التعامل معها خلال زيارة الأمير لأمريكا قوياً لدى الأمريكيين، ومشجعاً لدخولهم الأسواق السعودية، والاستثمار فيها بقوة وعن قناعة، متجاوبين مع أفكارها ورؤاها، وما قدمه الأمير محمد لهم من شرح عن مضامينها وضماناتها لمن يرغب أن يستثمر في بلادنا.