يوسف المحيميد
لم تكن الزيارة قصيرة، وعلى المستوى السياسي فحسب، وإنما هي تحمل عدة وجوه مهمة، سياسية واقتصادية وإنسانية، فيها كل شيء، لقاءات متعددة من الرئيس الأمريكي، وحتى مؤسس ومالك موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وما بينهما من خطوات شابة وثابة تشعر المتابع أن ثمة عمل دؤوب وجاد وطموح، وأن ما قرأنا عنه من طموحات وخطط سواء على المدى القصير في برنامج التحول الوطني 2020، أو على المدى الطويل في رؤية المملكة 2030، التي لفتت الانتباه في مختلف دول العالم.
فليس سهلا، ولا عاديا أبدًا، أن يصرح مسؤول دولة نفطية، بانتهاء عصر النفط، ويراهن على أننا قادرون على العيش والتقدم والتطور من غير النفط، فكيف إذا كان هذا الرجل هو الرجل الثالث في سلم الحكم، وهو لا يقول ذلك جزافا، بل يسير بخطوات محددة، يؤسس لاقتصاد جديد، اقتصاد إنتاجي، وليس اقتصادا ريعيا، اقتصاد المعرفة والصناعة، خاصة وقد حملت الأيام الماضية عدة خطوات لافتة في زيارة ولي ولي العهد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
لن أتطرق إلى لقاءاته بالرئيس الأمريكي، ووزير خارجيته، ووزير الدفاع، ورئيس المخابرات المركزية، وغيرهم، ولا بما تحمله من علاقات نوعية متميزة بين البلدين، وإنما سأشير إلى خطوات اقتصادية مهمة، كالترخيص لشركة «داو كيميكال» بالاستثمار في المملكة بملكية أجنبية كاملة 100 في المائة، وفايزر العالمية، و3 إم، ثم شراء حصة من شركة أوبر، ثم الترخيص لشركة «6 فلاقز» المالكة لمدن الألعاب الشهيرة، من أجل إقامة مدن ترفيهية، وفي الطريق كبريات الشركات الأمريكية العالمية، من بينها الشركة العملاقة أبل.
كما شملت الزيارة وادي السيليكون الذي يضم أكثر شركات التقنية العالمية شهرة في العالم، وبدخل يزيد على ثلاثة تريليونات دولار، من أجل عقد المزيد من الصفقات ومنح التراخيص، التي ستكون مفيدة للطرفين، فهي داعم للاقتصاد السعودي، سواء من حيث فرص المنافسة والسوق المفتوح، الذي سيوفر سلعا ذات جودة عالية وبأسعار منافسة، أو من حيث فرص التوظيف المتوقعة، وهي بالضرورة بالغة الأهمية للاقتصاد الأمريكي، لكون السوق السعودي يمثل فرصة استثمارية لعديد من الشركات في الغرب والشرق على حد سواء.
ربما ما اختلف خلال هذا العام هو أننا أصبحنا نركض بشكل أسرع مما تحتمله أقدامنا، نسابق الزمن بشعور من تنبه أخيرًا، وأصبح يراهن على إمكاناته الاقتصادية والطبيعية والعلمية، وطاقاته البشرية، وعلى حيوية مجتمعه وشبابه، وثقته بأنه يستطيع تحقيق أعظم المنجزات، بأقصر الطرق، وبأقل الأوقات الممكنة. ولكن يبقى الاقتصاد أمرًا معقدًا، يصعب التنبؤ بنجاحه أو فشله - لا سمح الله- خاصة حينما تراهن على اقتصاد حر وسوق مفتوح، في مجتمع ليس كذلك، إلا في حال تقدم المجتمع - وهو ما نؤمن به - بشكل مواز للتقدم والنمو الاقتصادي!