حوار - عبدالرحمن المصيبيح / تصوير - التهامي عبدالرحيم:
يعتبر المهندس ناصر بن محمد المطوع من جيل الرواد المخضرمين، حيث بدأ حياته العملية بالعمل في الحكومة وتحديداً في وزارة الصحة وكان له دوركبير في تصميم المستشفيات الحديثة ثم الإشراف على تنفيذها ثم قرر الانتقال إلى القطاع الخاص حيث أسس شركة سمامة التي كانت أول شركة سعودية متخصصة في مجالات الصيانة ثم تشغيل المستشفيات.
وامتدت تجاربه إلى أوروبا حيث أسس مع بعض رجال الأعمال الإنجليز والسعوديين مستشفى بارك سايد في ويمبلدون- لندن.
كما ساهم في تأسيس شركات في تخصصات متعددة في أمريكا وكندا. وامتدت نشاطاته لتشمل مجالات البنوك والطيران والفنادق بالإضافة إلى المستشفيات.
والمملكة الآن تعيش أجواء مشروع التحول الوطني الذي يتطلع المواطنون إليه كخارطة طريق لنقلات نوعية في حياتهم بصفة عامة. وبهذه المناسبة كان لنا لقاء خاص مع المهندس ناصر المطوع أجراه الزميل عبدالرحمن المصيبيح وتركز على الخدمات الصحية في المملكة. ليبتدئ اللقاء بما يلي:
الصحة محل الاهتمام
صحة المواطن السعودي كانت ولا تزال دائماً محل اهتمام قيادتنا الرشيدة ولم يتعاقب على كرسي الوزارة من الوزراء مثل ما حصل مع وزارة الصحة. والآن تم تعيين د. توفيق الربيعة وزيراً للصحة. فهل أنت متفائل؟
- الحقيقة أن ما ذكرته عن اهتمام القيادة الكريمة بقطاع الصحة صحيح تماماً والواقع أن هناك نتائج مشرفة وملموسة تحققت على مر السنين السابقة لعلي أذكر منها على سبيل القضاء عل شلل الأطفال، وتقليص عدد وفيات الرضع ورفع حد العمر الافتراضي للمواطن السعودي وارتفاع نسبة تغطية التطعيمات وانتشار المستشفيات والمستوصفات في المناطق.
ولكن في ذات الوقت نحن نعرف أن عدد السكان يزداد بنسب عالية وأن تكاليف الخدمات الصحية باهظة وأن هناك من الأنظمة ما يعيق التطوير والتجديد.
أما بالنسبة للدكتور توفيق الربيعة فقد أثبت كفاءته في وزارة التجارة ولا أبالغ أن قلت أن تعيينه في الصحة أدخل البهجة ورفع نسبة التفاؤل في بيوت السعوديين بصفة عامة خاصة وأن الوزارة وفقت في استقطاب كفاءات بمستويات عالمية تولت المناصب القيادية في الوزارة.
هذا ما أتمناه
** وما أول ما تتمناه من معالي الوزير؟
- ويواصل المهندس ناصر المطوع إجابته عن أسئلة الجزيرة قائلاً: إنني أرجو أن في رؤية 2030 معالجة جذرية لإعادة هيكلة قطاع الخدمات الصحية بصفة عامة.
نقص الأسرة
** يتحدث الناس أنه في الوقت الذي تعاني الوزارة من نقص الأسرة فإن هناك العديد من المستشفيات رسيت مناقصاتها وهي تحت التنفيذ وبعضها العمل فيها متوقف منذ سنين طويلة. فكيف يمكن علاج ذلك؟
- هذا صحيح.. يوجد حوالي 15.000 سرير في مشاريع متعطلة.. والسبب هو أننا في المملكة وللأسف الشديد ابتلينا بنظام مشتريات عقيم وهو السبب الأساسي في تعطيل مشاريع المستشفيات والمدارس والطرق والبلديات وغيرها كثير.
هذا النظام يأخذ بأقل الأسعارحتى لو كان المتقدم أسوأ المقاولين.. وهو يحد من قدرات الوزارات لاختيار الجهات الإشرافية المتميزة. ويتسبب في تأخير مستحقات المتعهدين، والنتيجة هو ما نراه من تعطل المشاريع وسوء تنفيذ ما ينجز منها.
تطبيق هذا النظام
** ولكن أليس هذا النظام مطبقا في كل دول العالم؟
- المطبق في دول العالم المتقدمة هو نظام الفدك.. ونجده في دولة الإمارات العربية المتحدة وأوروبا وكوريا وأمريكا وغيرها. وداخلياً نجده في أرامكو وشركات الكهرباء على سبيل المثال. أنت لن ترى مشروعا متعطلا أو متوقفا أو متأخرا لأرامكو أو الكهرباء.
وكدليل على أن نظام المشتريات الحالي غير عملي وغير سليم فإن الحكومة نظراً لاهتمامها بجامعة الأميرة نورة وجامعة الملك عبدالله في تول ومشروع القطارات نفذت هذه المشاريع بعيداً عن نظام المشتريات.
وفيما يخص مشاريع المستشفيات المتوقفة حالياً فإني أنصح أن توضع في سلة واحدة أو سلتين ويتم التفاوض المباشر مع مجموعة عالمية أو عالمية/سعودية لاستكمالها في وقت قياسي.
والمهم ثم المهم هو اتخاذ القرار والمبادرة فوراً فالحاجة ماسة للأسرة والخدمات الصحية بصفة عامة.
تكرار الشكوى
** يوجد في وزارة الصحة آلاف الموظفين والدولة لم تقصر في دعم القطاع بالمال. فلماذا الشكوى تتكرر وفي ازدياد يوماً بعد يوم؟
- لا يكفي العدد ولا المال إذا غابت الإدارة الاحترافية ومشكلة الوزارة أنها حملت نفسا فوق طاقتها، فهي التي تضع الأنظمة وهي التي تشغل وهي التي تشتري وتخزن وتدير الأدوية والأجهزة وهي التي تراقب وتقيم وهي التي ترسل أطباءها وكبار موظفيها يجوبون مدن العالم للتعاقد مع الأطباء والممرضين وهي التي تحاسب وتدفع وغير ذلك من المهام.
العالم المتطور تنبه إلى هذا الأمر ومنذ استلام تاتشر للحكم في بريطانيا ثم في حكم الرئيس ريقان في أمريكا أصدر مرسوماً رئاسياً ألا تقوم الحكومة بأي عمل يمكن أن ينفذه القطاع الخاص.. وذلك بعد دراسات أثبتت أن القطاع الخاص أكفأ في تنفيذ الخدمة وأقل تكلفة من الحكومة.
ونحن في المملكة وبناء على توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد- رحمه الله- فإن الشيخ فيصل الحجيلان أثناء توليه منصب وزير الصحة شجع الشركات السعودية على المشاركة مع المستشفيات العالمية والشركات الأجنبية المتخصصة ونشأ لدينا قطاع تشغيل طبي ممتاز وارتاحت الوزارة من التشغيل بالكامل وتفرغت لعملها الأساسي المتمثل في وضع المواصفات والإشراف والرقابة والمحاسبة.
ولكن للأسف الشديد تغيرت السياسة فيما بعد، وتم القضاء على هذا القطاع، وكان ذلك أحد أسباب تردي الخدمات الصحية حتى وصلت إلى ما وصلنا إليه.
ملاحظات وسلبيات
ولكن من المعروف أنه كأن هناك ملاحظات وسلبيات من الشركات في ذلك الحين.
ويؤكد المهندس المطوع قائلاً: هذا صحيح ولكن ليس كل الشركات. وإنما القليل منها، وكان بالإمكان التخلص منها. يضاف إلى هذا أن الشركات كانت تعاني من قصور في مواصفات الوزارة وعدم كفاءة الإشراف وتأخر صرف المستحقات.
ونصيحتي الآن أن تقوم الوزارة باتخاذ قرار (بدون تأخير) بالعودة إلى سياسة التشغيل التعاقدي وإلغاء إدارة التشغيل الذاتي مع التأكيد على: وضع المواصفات السليمة- تأهيل الشركات بشكل دقيق للغاية- الاستعداد بجهاز إشراف كفؤ- صياغة عقد متوازن يضمن حقوق الطرفين مع ضمان صرف المستخلصات حال استحقاقها.
حريق مؤلم
** كان حريق مستشفى جيزان مؤلما للغاية كيف نضمن عدم تكراره؟
- هناك برامج متعارف عليها عالمياً خاصة بالمعايير القياسية المعترف بها للأمن والسلامة.. وتشمل الوقاية من الحريق والغرق والزلازل وغيرها.. ومكافحة العدوى شاملاً المعدات الطبية والتخلص من النفايات واستخدام المعدات الحديثة ووسائل القياس والشفافية في نشر المعلومات عن المنشآت الصحية والممارسين الصحيين.
إنني أنصح ببرنامج وطني لقياس المنشآت الصحية الحكومية والخاصة وبحيث تنشر مؤشرات الأداء بشكل دوري.
التأمين الصحي
** وما رأيكم من تطبيق التأمين الصحي علماً أن هناك الكثيرين الذين يحذرون منه؟
- التأمين الصحي ضرورة وتأخرنا في تطبيقه أضر بالقطاع الصحي وكل يوم تأخير ليس في صالحنا، للأسف الشديد أن الوزارة على الرغم من وضوح الرؤية بالنسبة لحاجة للتأمين إلا أنها تترد كثيراً ثم تضيع المشاريع في خضم تكالب المشاكل والمفاجآت.
إنني أنصح بالبدء فوراً بالتأمين بالتدريج وتكون البداية بأصحاب الإعاقات والمشمولين بالضمان الاجتماعي ثم الطفولة والأمومة وبحيث ألا تمر 4 سنوات إلا ويكون عامة المواطنين مشمولين بالتأمين الطبي.. ولكن كما أسلفت لا بد من الخروج من مرحلة التردد والدراسات إلى واقع التجربة والتعلم منها وتصحيح المسار أثناء التنفيذ.
إشراك القطاع الخاص
** معلوم أن رؤية 2030 ركزت على إشراك القطاع الخاص وإعطائه أولوية لتبني الكثير من المبادرات.. كيف ترى تجاوب القطاع الخاص مع هذا التوجه؟
- القطاع الخاص السعودي يمتاز بالوطنية وبسرعة التجاوب د. توفيق شاهد على ذلك.. فقط نحن نحتاج رؤية واضحة وأنظمة واضحة.. مثلنا مثل كل رؤوس المال في العالم، لماذا تجد سعوديين وغير سعوديين يذهبون إلى الصين ويستثمرون فيها وكذلك الحال دبي وماليزيا وأوربا وأمريكا وغيرها؟ في القطاع الصناعي في المملكة حين قامت وزارة التجارة والصناعة بوضع خطط واضحة وأنظمة دقيقة وهيأت المجال وقضت على التعقيدات تجاوب المواطنون وهكذا أصبح لدينا آلاف المصانع وهذه منتجاتنا بفضل الله متوفرة في أسواق العالم بأفضل جودة.
الآن نحن متفائلون جداً برؤية 2030 وسترى منا كل تجاوب بعون الله تعالى.
** يعني هل ستقومون بإنشاء المزيد من المستشفيات الخاصة؟
- ويجيب المهندس المطوع قائلاً: نحن مستعدون لبناء المزيد من المستشفيات وكذلك المراكز التخصصية بالإضافة إلى المستشفيات ولا يخفاك أن الأراضي هي العقبة الأساسية بسبب غلاء أسعارها في حين من المعلوم أن هناك أراضي تتوفر في مواقع خاصة بالوزارة كما أن جميع الأحياء والمخططات المعتمدة من وزارة الشؤون البلدية والقروية بها أراض مخصصة كمرافق صحية فلماذا لا تؤجر للقطاع الخاص بموجب نظام شبيه بالمدن الصناعية؟
نحن نستطيع أن نحل مشكلة كبيرة للوزارة وهي الممتلئة بالأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يشغلون سرر المستشفيات بينما المفروض أن يكونوا في دور رعاية أو مراكز تأهيل وليس في المستشفيات.
هذا الحل يمكن أن توفره في فترة قياسية فيما لو سلمت لنا الأراضي.
دام عزك يا وطن
كيف تود أن تنهي هذا اللقاء؟
- أولاً أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان.. وأقول إنني متفائل جداً بما سمعنا وقرأنا عن رؤية 2030 وأسأل الله أن يكتب فيها الخير الكثير.
وأختم باقتراحين:
الأول: أن تستفيد الوزارة من برنامج كليات التميز نظراً لأن مبانيها متوفرة وأن تشغيلها سيكون ممولاً من صندوق التنمية البشرية (هدف) وذلك بإنشاء العديد من المعاهد التي تعنى بالتخصصات الطبية والصحية.
ثانياً: أتوقع أن يبادر د. توفيق الربيعة بحزمة خدمات إلكترونية تمس المواطن بشكل يومي وسريع ومباشر مع الاهتمام أيضاً بتقنية المعلومات وربط الوزارة وكل مرافقها وخدماتها بالشبكة العنكبوتية.