براعة الاستهلال أم براعة الاستغلال!!
في بادرة توعوية أطلقت شركة الاتصالات السعودية stc شعاراً لافتاً لحملة أحسب أنها قدمت أكثر مما أثارت وضجت الدُّنا حوله.. جاء الشعار تحت عنوان #طلقها_صحتك_أهم والضمير في طلقها يعود على الدخان بلا ريب ..!
في البدء سأصدف الطرف عن فكرة المونتاج الذي أغفل المؤسسات التعليمية وقبل ذلك الأبعاد الدينية والصحية وجعل التدخين قضية اجتماعية صِرفة ونزعها من سياقات كان الأولى بها أن تدلف ابتداءً قبل كل شيء فثمة أشياء لا تستقيم إلا بأشياء أساسية سابقة لها ومن الضرورة بمكان أن تكون لأهميتها في القيام حتى لا تكون على شفا جرف هار.
براعة الاستهلال أم براعة الاستغلال!
ولعلني أبدأ بالحوار المنبثق من سيناريو المونتاج والذي انطلق كشرارة من الأسرة ليعود إليها.. انطلق من (أبيه) وانتهى إلى (زوجه) وانتصف بين (زملاء عمله) و(بالمرأة)- التي لا أدري ما موقعها من الإعراب حتى اللحظة - و (بمارة السيارة) و (جلساء الاستراحة).. براعة الاستهلال بالحوار تحولت إلى فظاظة حين وظفت الكلمة (طلقها) - التي تحمل أبعاداً شرعية وعرفية وتركيبة مجتمعية نفسية- نظريًا واختتمت بالعمل التطبيقي حين قبض البطل على الأذى/ السيجارة متهللا بقوله: طلقتها!!
هذا المشهد الذي استغرق (36 ثانية) وبتكرار فعل الأمر (طلق) 6 مرات والسابعة كانت البشرى لذلك الأمر الملّح! وهذا التكرار بدا جيداً من حيث الفكرة والهدف وساء من حيث التنظير والتطبيق وتداول الكلمة بين من يعقل ومن لا يعقل.. ومدار هذه المشاهد كلها على المجتمع فالمونتاج اختزل إيحائياً التدخين بأن ضرره يتعدى على المجتمع قبل النفس التي لم تحافظ على هبة الله وأمانته، إذ انتهك الأمانة بالتدخين وهو في أصله قتل بطيء للنفس ولمن حولها، وحفظ النفس من الضرورات الخمس التي جاء بها الشارع وغلّظ الأمر عليها.
ولا شك أن الإقلاع عن التدخين صيانة للنفس وصلاح للمجتمع.. غير أن الرقم الذي احتله مجتمع المملكة العربية السعودية في اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين - بحسب الجهة التي صرحت - بلغ رقمها العالمي على مستوى التعاطي (المرتبة 23) عالمياً.. وهذا الرقم متقدم وقابل للتقدم أكثر وينذر بكارثة إن لم تتكاتف جهود المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية والنفسية بالوقاية قبل العلاج وبالعلاج إن لم تجدِ الوقاية فلو أهمل الأمر سيستفحل الحِمل وتكون التوعية بالضرر أصعب لاستمرأ المجتمعات لها في ظل الفتن والتشبث بالجمر على الدين قبضًا..
فنحن حين نتحدث عن مدخن واحد لا نتحدث عن نفس واحدة، بل نتحدث عن أنفس تتبع لهذه النفس بالضرر وربما بالاقتداء على غير هدى مع الفارق في الآية: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) . (البقرة:170)
وسيهلك المجتمع لا محالة إن طال الأمر لمن تصنع كل المجتمع (المرأة) فإذا فسدت فسد المجتمع وإذا صلحت صلح المجتمع وإن كان البيت بلا رجل عاقل فكيف بمن لا يملك رشد أمره.. فصلاح المرأة مرهون بصلاح المجتمع وصلاح المجتمع مرهون بصلاح المرأة.. فكيف إذا تعلّق الأمر بالدخان الذي هو مفتاح للحرام وكانت المدخنة هي المرأة فحينئذ كبّر على المجتمع أربعاً!!
رجع الصدى وفوات الصوت:
وكان الصدى لتلك الحملة أن أدلى عدد من المغردين بدلوهم في البيئة الإلكترونية الافتراضية التي هي بنت الحقيقة -إن لم تكن الحقيقة نفسها- وانعكاس افتراضي لواقع معاش عن استهجانهم لاختيار الشركة لكلمة (طلقها) وتفاوتت الردود بين ساخر شامت وقارئ صامت وغيور هَمَا وآخر ولى مدبرًا ولم يُعقب.. وثمّ من اقترح تغيير الكلمة واستبدالها بـ (الترك/اتركها).
ويظهر لي أن أكثر الذين علقوا على شعار تلك الحملة كانوا بأسماء مستعارة إلا ما ندر تجلت في سخرية من الشركة أخذت أبعاداً بعيدة المدى عن صلب الموضوع الذي نحوم في حماه.. غير أني آثرت الصدف عن المستعار إلى من صرح باسمه وصدح برأية بلا توجس ولعل أبرز الآراء التي كانت بالاسم الصريح تعقيب الدكتور فيصل الحليبي الذي علق تعليقاً بدا أصولياً في نظرته مع إغفال اللغة بشكل عام واللغة النفسية بشكل خاص بقوله : (يظهر أنكم لم توفقوا في اختيار الكلمة، يمكن استبدالها بـ: اتركها.. فكلمة الطلاق لها عرف شرعي .. تنصرف له عند التلفظ). وأنا هنا لا أحاكم هذا الرأي ولا أصادره فالحوار رحب بين أهله وكل يؤخذ من رأيه ويرد إلا صاحب القبر.. لكنني أتساءل عن هؤلاء الذين دوّروا رأيه في تغريدته وهنا يبدو أن عبارة إعادة التغريدة لا تعني الموافقة تعني الموافقة!! ولا أدري حتى اللحظة عن موقع أولئك الذين فضّلوها على خارطة الرأي.. ويبقى الاختلاف ثراء لا عداء.. والآراء ليست مسلمات .. لكن حين ننتقد شيئا ما لا بدّ أن نتجلى بموضوعي ة نقتنع بها ابتداء ليكون التأثير على الآخرين انتهاء والمرء خصيم نفسه في النهاية.
- تهاني العييدي