إننا طيفان في حلم سماوي سرينا
و اعتصرنا نشوة العمر فما ارتوينا
إنه الحب لا تسأل ولا تعتب علينا
- لشاعر السودان «إدريس جمّاع»
(جرتق) تأتى من جرتق يجرتق فهو مجرتق جرتقة شديدة. ويبدو أن أصل (الجرتق) من الكلمة الإنجليزية (geriatric) ومعناها معالجة الطاعنين في السن والعناية بهم، أيضاً تضاربت المعاني لكلمة جرتق هل كلمة عربية أم فارسية - رومية - تركية؟ ويقال أن كلمة جرتق نوبية.
يعتبر «الجرتق» ركناً رئيسياً من أركان نجاح أي زواج في السودان، هذا ما يعتقدة السودانيون، فهم يعتبرونها وثيقة زواج أخرى بعد عقد القرآن، وهو طقس من طقوس الزواج التقليدي في السودان، وتصاحبه ترانيم وأهازيج تراثية وعادة تشدوا بها الجدة أو أكبر امرأة في العائلة، وللجرتق وقت محدد، حيث يحبذ أن تتم ممارسته قبل مغيب الشمس ويكون عنقريب الجرتق في اتجاه القبلة وهذا اعتقاد له أهميته في المجتمع السوداني.
«الجرتقة» عبارة عن صحن فيه قطعة حرير حمراء تحتوي على هلال ذهبي توضع على جبهة العروسين.
والأسر السودانية العريقة لا تؤمن إلا بالذهب الخالص لتلك الأمسية العامرة بالبهجة وأغاني البنات. وتجلس العروس على عنقريب (سرير سوداني) خشبي مفروش بالبرش الأحمر والستان الأحمر وعلى حافته قطعة قماش حافتها مزركشة لتجلس العروس، ومن بعد ذلك تأتي أسرة العريس في صحبة ابنها محمَّلة بسبحة اليسر السوداء وهلال ذهب مطرز وموضوع على منديل مربوط حول جبين العريس شريطة أن يلتحف ثوب السُرتي المشهور حاملاً معه سيفاً مذهَّباً يهز به في فرح على الحضور بعد أن يكون قد اهتز طرباً لأغاني الجرتق الحماسية. ويتواصل عرض أمسية الجرتق عندما تتقدّم أسرة العروس وهي تعرض ذلك العنقريب الفاخر بفرشه الجميل مع قطعة حديدية مستديرة فضية اللون وعليها أطباق من الحلوى والتمر الفاخر وعطور سودانية متنوّعة على رأسها الصندلية وفلوردامور وعطور باريسية أخرى إلى جانب مسحوق الصندل والمحلب وأكواب الحليب والحلوى وأبخرة سودانية صنعت خصيصاً من أعواد الصندل الأصيل لتعبق أجواء تلك الأمسية التي يقبل على حضورها المدعوون والمدعوات كافة لأهميتها. وتبدأ كبيرات السن من الأسرتين في إلباس العروس غطاء الرأس المذهَّب وسبحة سوداء وحرير أحمر على المعصم اليمين والقليل من عجينة العطر السوداني الأصيل الخُمرة (بضم الخاء) على وسط الشعر قبل أن يجلس العريس قبالة عروسه ليتبادلا كميات من الحلوى والتمور لسبع مرات تناوله ما في يديها ويعيدها إليها ثانية وعند المرة السابعة ينهض العريس ليوزع تلك الكميات على الحضور. وبعد نهاية المراسم يتراشق العريس وعروسه بالحليب وسط فرحة وتصفيق الحضور ليعقب ذلك ترطيب الجو بحبات من العطر الفوّاح ينثر على الحضور الذي يشارك في الغناء لتظهر العروس في زيها الأحمر ، وعلى الرغم من أن الجرتق عادة فرعونية قديمة تحوي مخالفات دينية إلا أن قبائل سودانية كثيرة متمسكة بها ومؤمنة بأنها تحمي الزواج من السحر ويجلب المنفعة والحظ.
والسيف في الغمد لا تُخشى مضاربُه
وسيف عينيك في الحالين بتّار
- للشاعر السوداني/ إدريس جمَّاع
... ... ...
- أحلام الفهمي