«قلة من الناس هم الذين يفكرون، لكن الجميع سيكون لديهم آراء». (بركلي)
خصم أشد ضراوة :
تحدثنا في المقالتين السابقتين عن كتاب الخطيئة والتكفير لعبدالله الغذامي باعتباره مدخلا أساسيا للحديث عن مرحلة الحداثة الأدبية في المملكة وقلنا إنه أحدث صدمة هائلة في الجسم الثقافي لدينا وميزنا الخصوم أو المواقف التي واجهته حيث ذكرنا منها الموقف الأول وهو موقف الرواد الذي ظل ضمن الأطر الثقافية المقبولة . في مقالة اليوم نتحدث عن خصم آخر أشد ضراوة ظهر للكتاب وللغذامي هو المرحوم الكاتب محمد عبدالله المليباري (حاصل على شهادة كلية الشريعة من الهند عن طريق الانتساب عام 1972م ـ جريدة الرياض العدد 16376 ) والذي كان يدبج مقالات يهاجم فيها الكتاب والحداثة في ملحق الندوة الثقافي(الأدبي)الذي كان المسؤول عن تحريره محمد موسم المفرجي رحمه الله )كان عضوا في رابطة الأدب الإسلامي ) ويذكر الغذامي ( أن المليباري كتب ثلاثين مقالا في مهاجمة كتابه الخطيئة والتكفير وهو يعلن أنه لم يقرأ الكتاب ولايريد أن يقرأه !! عكاظ، في لقاء مكتوب أجراه معه الأستاذ علي الرباعي خُصص للحديث عن الكتاب، يظهر فيه الغذامي في صورة حميمية مع أحفاده وحيث الجميع ينظر بابتسامة لافتة في وداعتها نحو مصدر التصوير: (http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20160123/Con20160123820795.htm.
كان ملحق الندوة هو الملحق الثقافي(الأدبي) الوحيد الذي يمكن اعتباره ممثلا لوجهة النظر التقليدية المحافظة في تلك المرحلة، فيما كان يشرف شعراء أو كتاب وأدباء من أهل الحداثة على الملاحق الثقافية في بقية الصحف والمجلات (اليمامة : محمد جبر الحربي ) واقرأ (فايز أبا والمرحوم عبدالله باهيثم ). كان محمد االمفرجي يَعُد نفسه وملحق الصحيفة الذي يشرف عليه القلعة الأخيرة للدفاع عن الأصالة في وجه الحداثة وما تنطوي عليه من غموض وتعقيد وتخريب للغة و إفساد للأدب . وكان هجوم المليباري على الحداثة يأتي بدعوى الدفاع عن الأصالة والخوف على اللغة العربية (لغة القرآن) وعلى المضمون الثقافي والديني لهذه اللغة والذي يمكن أن يضيع حسب وجهة نظر هؤلاء إذا استمرت عملية التحديث ( وتخريب اللغة ).
كانت عبارات من مثل ( تفجير اللغة) التي كان يستخدمها بعض الحداثيين تثير الذعر عند كثير من هؤلاء المحافظين، على لغتهم ودينهم وهويتهم، فقد كانت ربما تفهم لدى المتلقي التقليدي ببعدها التدميري المادي المباشر، ما يستدعي شحذ السلاح وتجميع الأنصار لخوض معركة ضارية دفاعا عن هذه اللغة( لغة القرآن ولغة أهل الجنة ). وبالطبع فإن غياب الأرضية المشتركة ،والمواجهة بين نظامين معرفيين مختلفين على أرض واحدة لم يكن يتيح لكثير من أنصار التيار التقليدي فهم الدلالة المباشرة لعبارة ( تفجير اللغة) هذه، والتي لا تعني في ذهن مستخدميها أكثر من كسر قوالب وأطر القول التقليدية التي افقدت اللغة روحها وجعلت منها قوالب جامدة، ميتة، ومحفوظة وإنشاء علاقات وأطر جديدة لبث الحياة فيها من جديد وإذابة جبال رتابتها الجليدية .
كان الصراع بين التيارين صراع بين أتجاهين أو طريقتين في النظر إلى العالم والوجود :
حيث ينظر أحد هذين الاتجاهين إلى العالم كبناء بسيط، ثابت، متماسك، قار البنى، صاف، واضح الحدود لا ينطوي على أي مقدار من التعقيد والتركيب، فيما ينظر الاتجاه الآخر إلى العالم كبناء بالغ التركيب والتعقيد ،سائل، متحرك، غائم، متداخل، غير واضح الحدود.
كذلك فقد كان البعض ممن واجهوا الحداثة خائفين من تسرب قيم وأفكار الحداثة الغربية (الكافرة أو الملحدة ) باعتبارها) النقيض الحضاري، الثقافي، الفكري والديني لنا) من خلال أدب هؤلاء الحداثيين.
- محمد الدخيل