لسنوات عديدة كنت أعد نفسي بزيارة معرض دمشق الدولي للكتاب، وفي كل سنة أخلف وعدي لنفسي؛ لأن الفترة التي يقام بها المعرض (شهر آب/ أغسطس) تكون غالبًا مزدحمة، كما أن الصيف لا يبدو موسمًا ملائمًا للاحتفاء بالذات عبر الكتب، ثم إن المسافة التي كان علي أن أقطعها من شرق البلاد إلى جنوبها - وتستغرق ثماني ساعات - كانت وسيلة مساعدة بقوة لتثبيط عزيمتي!!
وحين كُتب علي النزوح كان علي أن أتخذ قرارًا صعبًا للغاية في اختيار الكتب التي سترافقني. كان الشعور مؤلمًا للغاية، وبخاصة أنني كنت أعرف أنني سأترك خلفي مكتبتي «القابلة للضياع»، قد تكون أثرًا يرسم لي درب العودة يومًا ما كالشرائط التي تعقدها النساء على الشجر في زمن ما ترقبًا لعودة الغائبين، رغم أن أوبة الرجال كانت أسهل بكثير، وما تزال شرائطي أنا في مهب الريح!
في القاهرة بدا لي أنني سأعوض حرماني الطويل من الكتب بسلاسة. كان عقلي الباطن يصور لي أني سأبدو مثل «عم دهب» غير أنني سأكون محاطة بكثير من الكتب، وهو ما حصل فعلاً حين صارت مكتبتي «مصفوفة» في صناديق ثلاثة أو أربعة، لكني لا أود الاعتراف بذلك لنفسي.
في السنة الأولى من إقامتي في مصر حين اقترب موعد معرض الكتاب انتابتني سعادة مفرطة؛ لأنني أخيرًا سأتمكن من إيفاء وعدي المتأخر لسنوات، وأتخمتني الخيبة، والخيبة وحدها تكفي لتكون عنوانًا عريضًا لا يحتاج لتفاصيل؛ لأنني لم أجد شكل المعرض كما تصورته ذهنيًّا؛ فأسماء الصالات مضللة؛ إذ تجد صالة ألمانيا أو إيطاليا، والمعروض ليس له علاقة بهذين البلدين! كما أنها مجرد خيام رقيقة، يخترقها المطر كما حدث عام 2013. والمسافة التي تفصل الصالة والأخرى ترابية، يتعفر الحذاء عند وطئها. والفوضى سيدة المكان. تحول مظهرك إلى منظر غير لائق «صحيًّا» في حضرة الكتاب الذي يجب أن تذهب إليه متأنقًا كما لو كنت على موعد مع شخصية مهمة، إن لم تكن تعده لقاء عاطفيًّا!
لم يتغير الأمر كثيرًا في السنوات التالية؛ ظللت أذهب متحمسة، وأعود بحذاء مغبر وحصيلة جيدة من الكتب، وهذا هو ما يهم. في 2015 - وهو آخر عام قضيته في مصر - قررت أن أختصر وقت الرحلة. وما حدث أنني رغم ذهابي باكرًا فقد وقفت على البوابة قرابة ثلاث ساعات بانتظار التفتيش، وكان يبدو أمر دخولي مستحيلاً، وكدت أن أيأس وأعود أدراجي، لولا أن تمكن السائق من تمريري سريعًا (بعد التفتيش) من بوابة العارضين، والفضل لحارس البوابة الذي قبل بتمريري رغم أنني لست من الناشرين أو العارضين (وإن كنت أحبهم، حسن ليس جميعهم). ربما أشفق علي لما رأى لهفتي للكتاب. وكانت الضريبة أن أدخل جناحين فقط، لكني على الأقل لم أعد بخفي حنين. كانت حصيلة الساعة تلك توازي حصيلة السنوات الثلاث، رغم أنها لا تزال جميعًا تنتظر في أرض الكنانة إلى أن يجمع الله الشتيتين يومًا ما!
- بثينة الإبراهيم