مواقع التواصل عامل مهم لازدياد وتيرة الاستهلاك لدى الإنسان في مرحلتنا الآنية، وهذا الاستهلاك يشمل شتى جوانب ما يهتم به الإنسان؛ معرفيًا وماديًا، وهذا يعني أن الاستهلاك ليس سلبيًا في ذاته بل إن سلبيته تكمن في مآله، فالاستهلاك المادي كاللباس وأصناف الطعام وغيرها كان في مرحلة سالفة يقتصر على عدد ما يباشره من الناس حتى تتم لذة الاستهلاك لدى الإنسان، فحين يشتري الإنسان لباسًا جديدًا فإن لذة لباسه تستمر فترة من الزمن حتى يراه أكبر عدد ممن حوله كأصدقائه وأقاربه وغيرهم، وبما أن اطلاعهم على لباسه يستلزم لقياهم بشكل مباشر فإنه سيبقى فترة من الزمن حتى يلتقي بهم جميعًا ثم يغير لباسه بلباس آخر، لانقضاء عمره الاستهلاكي، بينما في مرحلتنا الآنية فإن وتيرة الاستهلاك ازدادت بشكل كبير جدًا وذلك لاتساع التواصل بين البشر صوتيًا وصوريًا مما يجعل فترة الاستهلاك قصيرة جدًا جدًا، فمنذ أن يشتري الإنسان لباسًا جديدًا فإن عمره الاستهلاكي سينقضي في اللحظة التي يصوِّر فيها لباسه ويبثها على عدد المتابعين له في مواقع التواصل فيروه بلباسه الجديد، وهذا يعني انقضاء لذة الاستهلاك عنده في فترة وجيزة جدًا.
وأما الاستهلاك الإيجابي فهو استهلاك المعرفة، وهذا الاستهلاك سيمنحنا عجلة دائمة الدوران للبحث فيما هو جديد من المعارف والأفكار في عالمنا المعاصر، وسرعة دوران هذه العجلة ينبئنا عن سرعة في الإبداع، إذ إن المبدع سيفقد لذة إبداعه في الحين الذي يطلع عليه العديد من البشر مما يعني تفكيره في الإبداع الجديد بعد فقده لذة الإبداع السالف.
فالاستهلاك هنا يعتبر سمةً لمرحلتنا الآنيّة التي امتازت بالتشتيت الفكري، حتى إنها لم تعد مترابطة ضمن فكرانية أحادية يمكن نعتها أو تسميتها فاصطلحوا عليها بما بعد الحداثة أو الحداثة السائلة، فهي ليست متفردة بنعت خاص بها بل إنها متشظية لذا استعصت على الاصطلاح المتفرد، و هذه المرحلة ستُعلي من سلطة الشركات الكبرى المسيطرة على سبل هذا الاستهلاك (مواقع التواصل) حتى وصلت قيمتها مليارات الدولارات لا لشيء إلا لكونها سبيلًا للاستهلاك، فهي الباعث الأول للاستهلاك والدعاية لكل ما يمكن أن يستهلكه الإنسان وبأبسط السبل. ولولا أنها حملت معها الاستهلاك الإيجابي مرادفًا للاستهلاك السلبي لانتبه البشر إلى كمية الضرر الذي أهلكتهم به؛ بجعلهم آلات مستهلِكة ومستهلَكة من قبل الشركات الكبرى التي لا تخلو شركة منها إلا ولها ارتباط وثيق بمواقع التواصل الاجتماعي.
- صالح بن سالم