الآن وأنتِ تمرين بمرحلة تغيّر كبير في شخصيتك، أنظر إليكِ بمنظار الأبوة، أشعر بنشوة اعتزاز كلما تردَّدَتْ أصداء إشادة معلماتك بسمعي وأمك تنقلها لي بنبرة اغتباط، ومع حرصي الشديد على تحصيلك العلمي فاغتباطي الأشد هو بسلوكك الراقي وخُلُقكِ القويم.
ربما لا أكون بحاجة إلى أن أكتب إليك هذه الرسالة؛ لأنك جنَى..
جنَى التي صرنا نسميها المثقفة الصغيرة.. المثقفة التي صارت تتوسّد الكتب أحياناً، ما أجمل منظرك حين تغمضين عينيك والكتاب على صدرك!
هل تذكرين أستاذي الذي أهدى إليّ أحد كتبه، وبعد عشر سنوات أهدى إليك أيضاً نفس الكتاب وأنت ما زلت ابنة عشر سنوات؟ حينما كنتُ في مثل عمرك لم يكن أحد قد أهدى إليّ كتاباً. ليتني كنتُ مثلك.
وهل تذكرين كتاب (زنزانة) الذي سبقتِيني إلى قراءته، وكتبتِ عليه اسمك الأنيق؟ أشعر بزهو وأنا أقرأ كتاباً سبقتني إلى قراءته ابنتي، ولا أخفي عليك أني أشعر بشيء من الغَيرة!
وربما لست محتاجاً إلى أن أكتب إليك هذه الرسالة؛ لأنك أيضاً جنَى..
جنَى التي صرنا نسميها في بيتنا الأمَّ الصغيرة كلما رأينا اهتمامها بإخوتها الصغار..
فهل أخاطبك على أنك ابنتي جنَى، أم بصفتك الأم الصغيرة جنَى؟
أتذكّرُ حين أمسكتِ بإحدى قصصكِ وطلبتِ من أخيك زياد أن ينظر إلى الصور ويعبّر عما توحيه الصور بأسلوبه... وحين دُهشتُ وأنكرتُ عليك لأن الكلام الذي يقوله مختلف عن القصة المكتوبة تماماً.. أجبتِيـني بكل ثقة: (دعه ينظر ويتأمل ويتخيّل.. فهذا ينمّي خياله وأفكاره).. ليس زياد وحده من يتعلم منك، فحتى أنا أصبحتُ أتعلم منك.
وربما لست محتاجاً إلى أن أكتب إليك هذه الرسالة؛ لأنك أيضاً جنَى..
هل تشعرين بزهوي حين نحضر معاً دورة تدريبية.. وأسمع صوتك وأنت تقدّمين مداخلتك من قسم النساء؟ أكاد أطير فرحاً وأقول: أنا أبو هذه الصبية الـمُداخِلة.
جنَى التي كبِرتْ سنّاً... وكبُرتْ قامةً واهتماماتٍ...
ومع هذا النضج يا بنيّتي لن أكتب إليك
سأكتب إلى العالم من حولك... بكل ما يحمله من تموّجات في الإعلام: أن هذه الفتاة الصغيرة عصيّة على التأثر بما تحمله من تفاهات..
هي أقوى من أن تستهلك عمرها الثمين في متابعة ما تسوّقه من برامج هي في غاية السخف.
عجباً ما لي نسيت الموضوع الأساس للرسالة؟!
حاولت أن أكتب إليك في هذه الرسالة توجيهاً أو نصيحةً.. فوجدتُ نفسي غارقاً في الغبطة بك...
فهنيئاً لي بجنَى.
أبوكِ
- د. سعود اليوسف