ما أن عاد من سوق الخميس متجها إلى قريته حتى صادف عددا من جماعته وهم نازلون من سفح الجبل المحاذي للقرية، وهذا التجمع لا يكون إلا في شيئين؛ إما أنهم واروا جثمان فقيد، أو أدوا صلاة الاستسقاء، وكلتا الحالتين ينبغي أن يكون لديه خبر، بادرهم بشيء من الامتعاض: خير إن شاء الله، ليرد أحدهم: قضينا صلاة الاستسقاء، تبرم من إهمالهم المتعمد له إذ لابد أن يكون حاضرا ومشاركا مع جماعته، فهو عود ضمن حزمة، سرّها في نفسه وعاد إلى بيته غاضبا، بعد مضي أسبوع قرر أن يصعد الجبل بمفرده ليتضرع إلى الله بأن يغيث العباد والبلاد، وقتها شاهده عدد من المارة وسألوه أين ذاهب يافلان؟ فقال: أتضرع إلى الله بأن ينزل المطر سخروا منه وقالوا: ما بقي إلا أنت تجيء بالمطر! ليطلّق بالثلاث بأنه سيأتي بالمطر، وما أن انفضوا عنه حتى ندم على مقولته، وتساءل في حزن كيف جرني لساني الطويل لأن أحلف وأطلق؟ ، كيف يجرؤ قلبي على هذا الكلام؟ ودعا الله أن يتوب عليه ويسامحه فما كان مقصده إلا خيرا.
كانت لحظة انفعال ما هي إلا ردة فعل لاهمالهم إياه ،إلا أنه يثق في الله ويحسن الظن به، وفي أعماقه أن الله سيكرمه ويجيب سؤاله، مر من الوادي وكان جافا يرثى لحاله، حصباؤه تجلدها أشعة الشمس، وليس هناك من نبات سوى أشواك يابسة، وأعشاب أحرقتها الشمس، عبر الوادي صاعدا نحو سفح اعتاد الأهالي أداء صلاة الاستسقاء عليه، اتجه بروحه وجسده نحو القبلة بعد أن قلب رداءه وانهمك في دعاء طويل وصلاة خالصة لله، وراح يتضرع إلى خالق السموات والأرض بأن يغيث العباد والبلاد ، شاهدوه جماعته عن بعد وكان مثار سخريتهم وتعليقاتهم (فلان بيجيب المطر) ومكث يدعو ليستجيب الرحمن الرحيم ولم يهبط من الجبل حتى تكاثف الغيم وبرق البرق وقصف الرعد وهطل المطر ليمتلئ حلق الوادي ويسيل بما منحه الله ليكون أول من توضأ من ماء المطر الذي سال عبر الوادي، كان مشهدا مثيرا احتفظ به الأهالي في ذاكرتهم ويسردون تلك الحكاية كلما جن المساء عن ذلك المزارع الذي أقسم على الإله ليستجيب أرحم الرحمين إله العالمين لدعوته، ومن عادات أهالي الوادي حين يجف ضرع السماء وتتابع السحب في رحلتها دون أن تحنو على تراب الأرض، ليصيب الناس القلق والهلع، فالآبار جفت والنباتات تيبست والينابيع أجدبت، والحيوانات نفقت والأجساد ضمرت، عندها يقررون شراء بقرة أو ثور ليتم سوقها في أرجاء القرية والصعود بها إلى مكان معلوم وأداء صلاة الاستسقاء والدعاء لله، وما أن يذبحوا البقرة حتى تهل السماء بالخير فيعجلون بذبحها وتقسيمها لشدة هطول المطر، وكبار السن يقولون بأن الأهالي ما أن يؤدوا صلاة الاستسقاء حتى تهطل الأمطار لدرجة يصعب عليهم قطع مجرى الوادي لكثرة مسيل الماء؛ هكذا يلجؤون إلى الله، المطر هو مصدر الخير يستفيدون منه في مزارعهم وسقيا حيواناتهم وأغراضهم المنزلية، يعزف الوادي أنشودة الجمال ليظل يجري طوال عدة أشهر، الوادي يحفظ أسرار أهل القرية واحدا واحدا الوادي يشعرهم بالاطمئنان، وما خرير الماء إلا أنشودة عذبة تستهوى قلوب الفلاحين، وتحقق أحلامهم، وتدفئ مشاعرهم، الماء هو سر الحياة، وواديهم وادي قوب هو الشريان الذي يبعث الخير لهم بعون من الله.
- جمعان الكرت