في نقاش مع أحد الزملاء حول مقالي السابق (النص الهارب من نسق العبودية) سألني سؤالاً مهماً أو بالأحرى سؤالين، حيث قال:
* هل هناك كُتّاب فوق النقد؟
* وهل هناك سلطة كتابية أو أدبية تفرض المحتوى والشكل على النص الأدبي مثلاً؟
بعد حيرة من الأمر، قلت له:
إنه من المفترض حقاً أن لا يكون هناك أحد فوق النقد، ولكن المفترض لا يتطابق مع الواقع، فالواقع أن هناك عدداً من الكُتّاب تعالت أقلامهم فوق النقد ليس بسبب موهبتهم الإبداعية ولكن لأمور أخرى لا يتسع المقال لذكرها، بعضها اجتماعي. فأصبحوا يكتبون في برج عاجي، لا يمكن أن تطالهم سياط النقاد، حتى وإن كان نتاجهم ليس إلا صفحة فارغة. وتلك المكانة الكتابية التي صنعوها وتسبب النقاد في استمرار حصانة أولئك ضد النقد لعقود طويلة هي ما جعل للأدب سلطة تفرض عليه الشكل والمحتوى.
فلا يمكن لأحد مثلاً الخروج عن النمط التقليدي في نص شعري للقصيدة الموزونة المقفاة، ولا يمكن أن يعترف قدامى الشعراء بالنصوص الخارجة عن الوزن والقافية إلى الشعر الحداثي، وهذا بسبب انتهاج كبار الشعراء السير وفق نمط تقليدي للقصيدة توارثوه بالتتابع وتوارثته ذائقة القراء، كما أن مطلع القصيدة وخاتمتها دائماً ما تكون موحّدة، من الوقوف على الأطلال حتى الثناء على الله والصلاة على نبيه الكريم، كان ذلك هو الشكل الموحّد لتلك القصائد الطويلة واستمر الشعر يسير في نمط واحد لا يحيد عنه حتى جاء ما يسمى بالشعر الحداثي.
ومن المعلوم أن نازك الملائكة ونزار قباني قد شكلا حالة استثنائية في الخروج عن ذلك النص الغارق في النمطية، ولكن الحديث عن ذلك قد أشبعوه من كتبوا قبلي طرقاً ونقاشاً، لذلك فإني سأتحدث عن موقف يوضح مكانة بعض الكُتاب والشعراء وعلوهم على سلطة النقد: فأتذكر أنني ذات مرة انتقدت شاعراً ذا باع طويل في الشعر شارك في شاعر المليون، ولم يكن نقدي في الحقيقة موجهاً لشخصه الكريم، بل كان انتقاداً لقصائده المملة ذات الشكل النمطي الواحد، والمفردة الشعبية القديمة جداً والتي قد لا تلامس ذائقة الجيل الحالي.
وأتذكر أن ذلك الانتقاد لم يمض بخير، إذ واجهتني الألسن بالدفاع عن قصائده، وبعضهم قال إن ما يكتبه ذلك الشاعر لا يخضع لتقييمي وربما لا يوزن بموازين الإنس، فقصائده خرافية، والأحرى أن الجن قد تلفظوا بها على لسانه، وهذا كناية عمَّا يؤمن به البعض من وجود شيطان الشعر، وتلفظه بالشعر على لسان الشعراء!
إن تلك القدسية والهالة التي أحطنا بها رموزنا في الكتابة - وأعني رموزنا الشخصية وقدوتنا - هي ما جعل للكتابة بشكل عام خط مستقيم وثابت، بل إن «الجرأة» وطرق القضايا الحساسة، أو حتى الكتابة بطريقة وأسلوب ونهج جديد غير معروف في السابق، فإنه أمر يثير الرعب في نفس الكاتب نتيجة ما سيحظى به من نقد لاذع أو سخرية جارحة، وهذه بطبيعة الحال ظاهرة غير صحية على المستوى الأدبي والنقدي، لأنها قد قيدت النص بينما الأصل في الكتابة هي الحرية المطلقة والحيادية التامة. فالنص المقيد هو بالضرورة نص مشوه وقبيح. لأنه يظهر ما لا يبطن!
وحول نصوصنا في الوقت الحالي، يطيب لي أن أختم باقتباس لعبارة عبدالله الغذامي في كتابه الليبرالية الجديدة، وأحورها بما يناسب وضع النصوص في «الخليج العربي» تحديداً:
النص ليس حراً.
النص ليس عبداً.
النص شبه حُر!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @