واشنطون - عبدالمحسن المطيري:
تحمل الكثير من الأفلام السينمائية سواء الأمريكية والأوروبية وخارج القارتين الكثير من الجانب القصصي البعيد نوعاً ما عن واقع المجتمعات التي تعكسها السينما في تلك الدول، من المعروف أن السينما انقلبت على التقليدية الكلاسيكية والتي نشأت مع دخول الصوت في الثلاثينيات واستمرت حتى نهاية الخمسينيات، تمردت السينما عن تزييف الواقع منذ الموجة الفرنسية الواقعية التي بدأت في الظهور مع أفلام The 400 Blows الذي بات من أوائل الأفلام الذي أظهرت شاب وهو في العاشرة من عمره يدخن السيجارة! مما يعكس الواقع الفرنسي في فترة الخمسينات والستينات، خصوصاً مع شريحة المراهقين. الانقلاب الذي حصل على التقليدية الكلاسيكية في السينما الأمريكية بدأ مع ما يسمى بالسينما الأمريكية الجديدة، والتي نشأت في عهد مخرجين بالغالب متخرجين من معاهد ومدارس سينمائية، يعرفون التاريخ السينمائي جيداً، ولديهم حس نقدي ودافع شخصي، بالإضافة لتأثرهم بالموجة الفرنسية والواقعية الإيطالية مثل ساندي لوميت، مارتن سكورسيزي، ستانلي كيوبريك «البريطاني»، مع فرانيس فورد كوبلا وغيرهم الكثير.
في عقد الستينيات نشأت أفلام أمريكية أكثر قرباً للواقع وكان مضمونها ثائراً على السرد التقليدي أو المزيف لتكون أقرب لواقع المجتمعات مثل أفلام «Midnight Cowboy» «وEasy Rider و»The Graduate» التي حملت ثلاثتها مضموناً مفاجئاً وشكلاً مختلفاً يملك عناصر الجرأة والتجديد في التنفيذ وحتى في التمثيل والإخراج الفني، وأفلام الممثل»براندو» في فترة الخمسينات ساعدت في تشجيع المخرجين الجدد في عقد الستينات في الاقتراب أكثر من الواقع.
استمرت السينما الأمريكية منذ الستينيات وحتى منتصف التسعينات تقريباً في تقديم أفلام «قريبة» للواقع، ولكن يجدها البعض لا تمثل الواقع بشكل حقيقي وبتنفيذ أكثر ابتكاراً، كمثل فيلم الأخوة كوين في العام 1996»Fargo» الذي يمثل النضج الحقيقي في السينما الأمريكية في تقديم سينما تعكس واقعاً بشكل جذاب وممتع، ولا يخدش الشكل السينمائي الأصيل سواء لأعمال الأخوة كوين أو غيرهم.
أما اليوم تعاني السينما الأمريكية في ضعف شديد في الاقتراب أكثر من الواقع مع المحافظة على المتعة والأصالة أو الكلاسيكية في الشكل السينمائية، بمعنى أن هناك أعمالا قريبة جداً للواقع الأمريكي، إلا أنه يغلب عليها الضعف في التنفيذ أو رداءة النص، والكثير من الأحيان التمثيل الذي لا يجذب المشاهد بشكل قريب لما فعله الكوين في فارجو، أو نوح بوامباه في «The Squid and the Whale» أو حتى صوفيا كوبولا في «Lost in Translation».