في فصل علاقات المملكة مع أمريكا أشرتُ في كتابي (الدبلوماسية بين العلم والفن) إلى أنه عندما برزت أمريكا على المسرح الدولي في بداية القرن العشرين كقوة عظمى، وذلك عندما رجحت كفة الحرب العالمية الأولى لصالح الحلفاء بانضمامها إليهم وتحقيق النصر لهم أدرك الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بفراسته وحنكته السياسية أهمية وضرورة توثيق علاقة المملكة مع هذه الدولة الكبرى الجديدة فقام رحمه الله عام 1932م بمنح شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) الأمريكية امتياز التنقيب واستخراج النفط والتي تحولت فيما بعد إلى شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) ثم إلى شركة الزيت العربية السعودية. وكان الملك عبدالعزيز يهدف من ذلك إلى أمرين:
أولاً : تأسيس علاقة مع هذه الدولة العظمى (أمريكا).
ثانياً : خلق نوع من التوازن في العلاقات مع الدولتين الأعظم آنذاك بريطانيا وفرنسا.
وفي المقابل كانت الادارة الامريكية في بداية الثلاثينات تخطو خطواتها الأولى لتجاوز سياسة العزلة التي لازمتها سابقاً .
وتوجت العلاقات بين المملكة وأمريكا بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1935م ثم باللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس الامريكي روزفلت 1945م.
وقد وظفت المملكة علاقاتها القوية مع أمريكا لصالح شعبها في كافة المجالات، وكذلك خدمت تلك القضايا جميع القضايا العربية والاسلامية. واستطاعت هذه العلاقة الراسخة أن تصمد بالرغم من كل الظروف التي برزت تجاهها لأنها مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
وقد حرص الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على استمرارية هذه العلاقات القوية في لقاءاته المتعددة مع الرئيس الامريكي أوباما وكبار المسؤولين الأمريكيين، وتأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان في إطار هذا التوجه الصائب والحكيم وفي توقيت مناسب، ويدل على ذلك المستوى الرفيع للوفد المرافق لسموه. وقد لاقت شخصية الأمير محمد ترحيباً لدى عدة أوساط أمريكية لأنها أتت بوجه جديد شاب يجمع بين حنكة الشيوخ وهمة الشباب وبين الحداثة التي خطط لها ورسمها سموه في (الرؤية السعودية 2030) وبين المحافظة على القيم الدينية والتقاليد العربية الاصيلة. فهو الأمير الذي أحدث تطوراً كبيراً في دفع المواطن والقطاع الخاص على التخطيط لمستقبل اقتصادي في أفكار علمية دون الاعتماد على المصدر الرئيسي للدخل وهو النفط.
وذلك ضمن ورشة عمل جماعي يشارك فيه المواطنون والدولة معاً، وفي إعادة الهيكلة الادارية للوزارات والادارات الحكومية الرئيسية يحل محل البيروقراطية والروتين الذي يعرقل التوجهات البارزة في الرؤية.
وقد تأهبت الشركات والمؤسسات التقنية والمعلوماتية الأمريكية لإبداء وعرض ما لديها من خطط وأفكار، خاصة وأن أمريكا تعد الأبرز والأحدث والأنجح في العالم في تلك المجالات، وكذلك استعدت البنوك والمصارف والمؤسسات المالية الأمريكية وهي كذلك الأقوى دوليا للخطط الاقتصادية والمالية التي اعلنها الأمير محمد في الرؤية وأبرزها طرح خمسة بالمائة من أسهم شركة أرامكو للاكتتاب في البورصة العالمية والمحلية والذي سيكون أكبر اكتتاب في التاريخ الانساني.
وقد دعمت الحكومة الأمريكية هذه الزيارة الموفقة بإعداد برنامج حافل واستقبال حار على أعلى المستويات أهمها لقاء سموه مع الرئيس الامريكي وذلك من أجل ترطيب الأجواء وانجاح الزيارة التاريخية دعماً للإدارة القادمة .
** **
السفير د.عبدالمحسن بن فهد المارك - عضو مجلس الشورى