(ستريت تايمز) - سنغافورة:
في أعقاب كارثة هجمات تنظيم داعش على أوروبا، حذر قادة سنغافورة من خطورة الإسلاموفوبيا. وعبر السيد شانموجام وزير الشئون القانونية والمحلية، عن خوفه من أن غير المسلمين في سنغافورة يمكن أن يبدأوا في تبني سلوكيات سلبية تجاه المسلمين كرد فعل على الهجمات الإرهابية التي وقعت في أماكن أخرى من العالم، وأشار إلى أنه كانت هناك مؤشرات على أن ذلك كان قيد الحدوث بالفعل، لذا حث غير المسلمين على التواصل مع المسلمين داخل الدولة لكي يحافظوا على التماسك الاجتماعي للبلاد.
وفي السياق ذاته أكد السيد يعقوب إبراهيم وزير المعلومات والاتصالات، على دور القادة الدينيين في الترويج حول طريقة عيش المسلمين وغير المسلمين معًا جنبًا إلى جنب في سلام وانسجام». هذا التوجه للتعاون بين الأديان لا يقتصر على المستوى الوزاري، فقد طلب مني المدرسون في المدارس الثانوية وطلبة الجامعات التي زرتها تطوير مواد دراسية تتعلق بأهمية الحوار بين الأديان في محاضراتي بشأن الشرق الأوسط. فالحوار بين الأديان يهدف إلى الحفاظ على السلم الأهلي في أعقاب الهجمات ويجب أن نشجع عليه، ولكن ما لا يقل أهمية هو أن نساعد الشباب في فهم وتأريخ ظهور الإرهاب. طلاب سنغافورة الذين أزورهم، كثيرًا ما يطلبون مني توضيح ظاهرة داعش أو حتى القاعدة، والتي هي في جوهرها ليست مشكلة دينية، ولا يمكن فهمها باستخدام الخطاب الديني وحده؛ إنها مشكلة سياسية مرتبطة بشدة بتحولات دور الولايات المتحدة في العالم، بالإضافة إلى المشهد السياسي العالمي الذي انتقل من الحرب الباردة إلى حقبة ما بعد الحرب الباردة، وبالتالي يجب علينا أن ننتقل إلى ما وراء حوار الأديان، وأن ننظر لتلك الاحداث من خلال عدسة سياسية تساعد شباب سنغافورة على فهم تلك المشكلة السياسية.
دائما ما كان الغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا نموذجًا لسنغافورة، ولكن الهجمات الأخيرة في باريس وبروكسل، ناهيك عن تصاعد العنصرية وعدم التسامح في الولايات المتحدة، كلها على الأرجح تعكس فشل تلك المجمتمعات في إدماج أقلياتها. والمقارنة ربما تفيد في توضيح هذا الوضع، فعلى سبيل المثال عندما يقتبس المرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل دونالد ترامب عبارات من الانجيل ويقدم نفسه على أنه مرشح مسيحي مثالي للناخبين الإنجيليين الأمريكيين، فنحن هنا لا يجب أن نحاول أن نفهم إشكالية تلك الظاهرة للسيد ترامب فقط عن طريق عدسة المسيحية. و في المقابل فإن الأكثر واقعية هو فهم المشكلات الاقتصادية التي تواجه الكثيرين من الطبقة العاملة الأمريكية وتوعيتهم بحقيقة المرشحين، سواء كان جمهوريين أو ديموقراطيين. وبالمثل فإن التوجه لفهم القاعدة أو داعش عبر عدسة الإسلام يسيء لفهم طبيعة المشكلة بصورة كاملة.
سنغافورة يجب أن تخط مسارها الخاص، وأن تتخذ توجهًا استباقيًا للحفاظ على التجانس الديني والعرقي داخليًا؛ فسنغافورة ذات مجتمع صغير ومنفتح، وبينما لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن الإعلام الغربي بهيمنته العالمية يغمرنا كل يوم بانحيازاته من خلال الترويج المعلوماتي للإسلاموفوبيا، إلا اننا نستطيع ـ بل يجب ـ أن ندرب مواطنينا على أن يكونوا قادرين على إدارة ذلك التدفق اليومي لتلك المعلومات. منذ 2013 قمت بزيارات إلى مدارس ثانوية وكليات في الجامعة الوطنية في سنغافورة لإعطاء محاضرات خصيصًا بشأن هذا الموضوع، وعلى مر السنوات، استطعت أن أجمع مئات الشهادات التي سمعتها من الطلاب وتبادلت رسائل البريد الإليكتروني مع أساتذتهم. وبناء على تجربتي الشخصية من خلال محاضرات القيتها في عشرات المدارس في سنغافورة على مر السنوات الثلاثة السابقة، أستطيع أن أقول أنه من الممكن تطبيق هذه المناهج وتستطيع وزارة التعليم في سنغافورة أن تصمم مجموعة مصادر متجددة لتقديم إجابات عاجلة على موضوع الإسلاموفوبيا. وإذا كنا جادين بشأن الحفاظ على التجانس العرقي والديني في سنغافورة، كما حثنا على ذلك مؤخرًا السيد شانموجام والدكتور يعقوب، فنحن بحاجة إلى أن نبدأ بشبابنا، وأن نحول القضية بصورة استباقية إلى محاولة فهم التهديد الإرهابي على النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة من سياق ديني إلى سياق جيوسياسي.
** ** **
- كو شون وي / باحث دكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة ييل الأمريكية