إن من الأعمال الكبرى التي تحوّل مجرى التاريخ كالمعجزات الكبرى كتحويل مجاري أنهار وزوال حضارات وقيام حضارات، أنه صناعة الأقلام العربية الوطنية الذي له أهميته السياسية والثقافية والحضارية. إن إنشاء «هيئة عامة للثقافة» بأمر ملكي كريم قرار عظيم لأمة عظيمة، واستدعاء للتفاؤل في رعاية الإبداع الثقافي. وبات على مسؤولي هيئة الثقافة أن تشحذ طاقاتها لصنع أدباء ومؤلّفين ومبدعين، وسيكون القلم السعودي أول المنتصرين في عصر لا مكان فيه لمن لا يملك كلمة فصل الخطاب والحجة والمعرفة، وللكلمة فتك أشد من فتك الجيوش، يقول الشاعر:
إذا افتخر الأبطال يوماً بسيفهم
وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتّاب فخراً ورفعة
مدى الدهر أنّ الله أقسم بالقلم
يقول الجاحظ: « لولا الكتب المدوّنة، والأخبار المفننة لبطل أكثر العلم، ولغلب سلطان النسيان سلطان الفهم «.
الكتابة هي التي ساهمت في تطور المعرفة والعلم حتى وصلت الإنسانية إلى عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا الإعلامية من انتشار القنوات الفضائية والبث الرقمي... والإنترنت. وفي ظل التطورات التقنية الإعلامية بدأ البعض يقدم التعازي على قتل الثقافة المقروءة وتهميش دور الكاتب إلا أن الثقافة المقروءة من صحف ومجلات وكتب ما زالت أكثر الوسائل الإعلامية انتشاراً، وتطورت بظهور جيل ثاني من القراءة وهي القراءة الإلكترونية. وما زال قول المتنبي صائباً مردداً على لسان الكثير:
أعزّ مكان في الدنا سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
فالكتاب كما يقول الجاحظ: «وعاء مليء علماً، وظرف حشي ظرفاً، وإناء شحن مزاحاً وجداً...». أما من يهمش دور الكاتب والكتابة فليعلم أن كل أساليب الدعاية وفنون الإعلام والإعلان ووسائلها وأجهزتها تعتمد على الكلمة قبل كل شيء.
إن ما ينشر سنوياً في العالم على الورق من صحف ومجلات وكتب يكفي ليغلف سطح الكرة الأرضية سبع مرات كاملة. وينشر حالياً مليون كتاب جديد في العالم سنوياً، وإنتاج الوطن العربي كاملاً من الكتب يشكل أقل من 1 % من الإنتاج العالمي، على الرغم من أنها تعد رابع لغة الأكثر انتشاراً في العالم. واللغات التي يتم التأليف بها من حيث أكبر نسبة بالترتيب هي اللغة الإنجليزية بنسبة 60 % ثم تأتي بعدها اللغة الفرنسية، فاللغة الألمانية، فاللغة الإسبانية، فاللغة الروسية وهذه اللغات الخمس ينشر بها أكثر من 95 % من الكتب في العالم. ويبقى أكثر من 4000 لغة في العالم، ومن بينها اللغة العربية، وتنشر مجتمعة 5 % مما يصدر في العالم من الكتب.
يقوم الكاتب بدور رئيسي في صنع ثقافة الأمة وإرساء أسس معرفتها. وآثار هذا الدور الخطير تنعكس في النهاية على حضارة الشعب وعلومه وآدابه وقيمه. كتّاب الصحافة مثلاً تعكس الوجه الحضاري للمجتمع وتسهم في ازدهاره. وإذا أخذت صحيفة ما ونضرت إلى ما بداخلها وجدت أنها تعكس اهتمام المجتمع بقطاعاته المختلفة العامة منها والخاصة، مثل الإدارة، والرياضة، والاقتصاد، والسياسة، والأسرة، والتعليم. وأصبحت العناية بالصحف والدوريات الأدبية والثقافية والاجتماعية والتأليف والنشر لا تقل أهمية من العناية بالعمليات التربوية.
للعناية بالكتَّاب في مجتمعنا يوجد الكثير من المؤلفين ولكن في كثير من الحالات تقف تكاليف الطباعة والنشر عائقاً، ولكن تستطيع وزارة الثقافة والإعلام أن تسهم بدرجة أكبر في طباعة ونشر الكتب الجديدة على نفقتها ومنح مؤلفيها مكافآت تشجيعية مناسبة.