أشرنا في المقالة السابقة إلى قيمة من القيم الأخلاقية في السيرة النبوية وهي الصدق، وبيان اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة الحميدة في كل أفعاله وأقواله قبل البعثة وبعدها بشهادة الجميع وشهادة الله سبحانه قبل ذلك في قوله: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بالاتصاف بهذا الخلق الكريم بل كان يحث المسلمين دائماً على الصدق في أقوالهم وأفعالهم ومن ذلك قوله: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً) وقد أكد الله سبحانه على عباده التزام الصدق واتباع أهله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}.
ولم يكن صدقه صلى الله عليه وسلم مقتصراً على الأمور الجادة فقط بل حتى في أوقات المرح والفكاهة التي يظن البعض أن الكذب فيها مباح، كما قال عندما قالوا له: يا رسول الله! إنك تداعبنا: قال: (إني لا أقول إلا حقا)، بل حتى في أوقات الشدة في ظل الحروب فإنه كان يوري ولا يكذب كقوله للشيخ الذي قابله قبل غزوة بدر حين سأله عنه وعن أبي بكر رضي الله عنه: (نحن من ماء) ثم انصرف عنه، فجعل الشيخ يقول: من ماء، أمن ماء العراق؟..
ولا غرو في ذلك فهو القدوة الصادق المصدوق في طفولته وشبابه وشيخوخته، الصادق المصدوق في جده ومزاحه، في حربه وسلمه، وفي حاله كله، ولذا أمر الله تعالى أهل الإيمان باتباع الصادقين وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود