الإنجازات المحدودة والصغيرة والمتوالية هي باكورة ومفتاح وطريق للإنجازات العظيمة والواسعة والكبيرة، ليس هناك شيء يبدأ عظيمًا أو كبيرًا أو ضخمًا من أول وهلة أو محاولة أو انطلاقة، بل إن النجاحات والإنجازات والنتائج هي عملية تراكمية تتابعية تأتي شيئًا فشيئًا، حتى في جانب العبادات والإيمانيات لا يُعقل أو يُقبل ذلك، فمثلاً: شجرة الإيمان لا تبنى في لحظة أو فجأة أو بين صبح ومساء أو بين ضحى وعشية، بل إن مواصلة العمل الصالح يساعد على بناء تلك الشجرة الإيمانية من خلال أهداف يومية ثم أسبوعية فشهرية ثم سنوية، وقس على ذلك بناء ملكة التفكير الموضوعي أو النقدي أو التحليلي أو الإبداعي لا يحدث بمجرد قراءة كتاب أو كتابين أو مقال أو عشرين مقالاً، بل يمر الإنسان من خلاله بمسميات وألقاب ونعوت وأوصاف فيبدأ كونه قارئًا ثم مهتمًا فمثقفًا أخيرًا قد يبلغ أو لا يبلغ إلى أن يوصف بلقب الناقد أو المفكر أو المحلل أو الخبير أو المبدع.
أقيسه وتشبيهات توضيحية سيقت وعُرضت للتأكيد على أهمية «تجزئة الأهداف» وتوزيعها وتقسيمها وفرزها إلى أهداف بعيدة المدى ومتوسطة المدى وقصيرة المدى، لأن مقاومة التغيير متوقعة وواردة وطبيعية، وقد تكون بقصد أو دون قصد، فمن المعلوم أن أي تغيير يمر بأربع مراحل (تشخيص الواقع، بناء الرؤية، تحديد الخطة، مقاومة التغيير)، الذي يحمي ويقلل ويخفف من حدة وجمود وتشبث تلك المقاومة الاجتماعية والإدارية والنفسية أو النفور من الجديد هو «تجزئة الأهداف» لكي يتم فهمها واستيعابها، فوزارة التعليم مثلاً لا تستطيع أن تصل إلى تلك الرؤية من دون أن تحقق أهداف قصيرة أو متوسطة المدى فتبدأ بتكريس جهودها وطاقاتها إلى وضع آلية زمنية لتدريب المعلمين والقيادات الإدارية والتربوية وهذا يتطلب زمنًا من الوقت حتى تدرب وتؤهل أكبر عدد من المعلمين والقيادات الإدارية، وتحتاج أيضًا لوقت لتجهيز المدارس بالأدوات والأجهزة التقنية فهناك مدارس ما زالت تفتقر للمتطلبات الأساسية وللأولويات الرئيسة، وغير ذلك.
لذا فمهمة وواجب الوزارات والقطاعات الخاصة أن تعمل على تكريس جهودها لتجزئة الأهداف وتنويعها حسب أولوياتها بما يضمن الوصول إلى الرؤية، وهذا يتطلب ورش عمل وحلقات نقاش داخل الوزارات ذاتها، فكل وزارة تقيم ورش عمل ويدعى إليها قيادات تلك الوزارة ومن ثم يقومون بعملية العصف الذهني الذي يهدف إلى بناء وتحديد الأهداف وتجزئتها وتحديد برنامج زمني لإنجازها، وهذه الطريقة تعد الأجدر والأقرب والأنفع لضمان تفاعل وتكاتف وتضامن الجميع.
والذي يجعل الأمر منطقيًا ومعقولاً ومقبولاً هو أن كل وزارة لديها من الموظفين والعاملين الذين يتمتعون بالمعرفة والخبرة والمهارة التي تساعدهم على تحديد مستوى إمكاناتهم وقدراتهم وصلاحياتهم في تحديد الأهداف المؤدية إلى تحقيق الرؤية، فهم أقرب من غيرهم لوضع بعض المعايير والأولويات، مع الأخذ بعين الاعتبار بالتوجيهات والمقترحات والتوصيات التي يقدمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية لكل وزارة بحسب ما يراه مناسبًا ومنسجمًا مع رؤية 2030.