أثناء كتابة هذا المقال لصحيفة (الجزيرة) تنعقد الدورة الـ 32 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وأمام هذه الدورة الثانية للعام 2016م أوراق جمعت من حقوقيين ومحاميين وممثلي دول ومنظمات وهيئات تحمل معاناة مئات الآلاف من الذين دفعوا ضريبة وصلت حد الموت في صراعات على سلطة الحكم في عالم ثالث مسكون بقضاة القتل عبر محاكم تصدر أحكامها بيد مجرمين يوزعون الموت على كل معارضيهم.
تأتي هذه الدورة بعد أن تراجعت الأمم المتحدة عن وضع «التحالف العربي» في القائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال، وتأتي هذه الدورة بعد عشرات وعشرات من الانتهاكات المتوالية لكل وكلاء إيران في المنطقة العربية بداية من الحشد الشعبي في العراق ومروراً بمليشيات حزب الله على تراب سوريا وانتهاء بالحوثيين في اليمن، كل هذه الانتهاكات التي باتت تتصدر نشرات الأخبار اليومية مصدرها طهران وضحيتها مدنيون موزعون على مدن عربية توحدت عند أشلاء سجلت المجازر.
في يوليو 2015م وقبل تحرير العاصمة الجنوبية عدن بأيام عشرة، ارتكبت مليشيات الحوثي والمخلوع صالح مجزرتين بشعتين في مديريتي «دار سعد» و»المنصورة»، ولم تكن تينك المجزرتين هما الوحيدتان، بل سبقهما كثير من المجازر التي بدأت منذ غزو الجنوب عام 1994م، غير أن المفارقة في المجازر الأخيرة أنها وقعت على مسافة قريبة من تحرير عدن، وكانت قوات «التحالف العربي» قريبة من تلك الجرائم التي قامت عبر نشطاء حقوقيين من عدن بتسجيل وقائعها وتفصيلاتها ورفعها للمنظمات الإنسانية.
وقد أحال المركز الاستشاري للحقوق والحريات بلاغين يتضمنان حيثيات تينك المجزرتين إلى اللجنة المعنية بتلقي البلاغات، مطالباً المجلس الأممي إدانتهما وإحالتهما إلى محكمة الجنايات الدولية باعتبارهما جرائم ضد الإنسانية تتوافق أركانها مع معايير نظام محكمة روما للجنايات الدولية وجرائم حرب تتنافى مع أحكام اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين، على أن تلك الاعتداءات ليست انتهاكات في حقوق الإنسان وإنما جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مكتملة الأركان وبالأدلة الموثقة من وقائع وصور وأسماء ومقاطع مرئية جميعها تعزز من ضرورة إحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية إنصافاً للضحايا ومجازاة لمرتكبيهما.
مجزرة مديرية المنصورة تؤكد أن قوات الحوثيين وصالح قصفت منازل المواطنين في المنصورة بمعرفة يقينية مما أدى لمقتل 49 مدنياً وإصابة 220 آخرين، أما البلاغ الثاني الخاص بمجزرة (دار سعد) فقد وقعت بسبب قصف الحوثيين والحرس الجمهوري لمنازل المواطنين في 19 يوليو 2015م وأسفرت عن مقتل 68 مدنياً وإصابة 206 آخرين، إضافة إلى مئات الجرائم الجماعية والفردية ومنها جريمة قوارب النازحين في ميناء التواهي وجريمة قصف مصفاة البريقا وجرائم الاعتقالات والخطف والقنص وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في عدن منذ محاولة غزوها في مارس 2015م.
هذه الدورة الجديدة وما ستليها في شهر مارس 2017م هي دورات قد تكون في نظر الكثيرين أنها تحمل تقارير دورية، وهذا أسلوب خاطئ، فالجرائم التي ارتكبت في عدن وحدها هي إثبات إدانة لتلك المليشيات التي التفت على الأمم المتحدة وقدمت تقارير مغلوطة أسهمت في تسجيل موقف ضد «التحالف العربي» لم يكن ليحدث لو كان لدى الحقوقيين والنشطاء قدرة وعزيمة على مواصلة الحصول على توصية لمجلس الأمن الدولي بتلك الجرائم البشعة التي ارتكبت قبل عام.