في الآونة الأخيرة تزايدت المطالبات بالحقوق بصورة ملحوظة، وانتشرت جمعيات تطالب بالحقوق، وكذلك أفراد يقدمون أنفسهم كنشطاء في حقوق الإنسان، وإعلاميون يقدمون أنفسهم ككتاب أو مهتمين بحقوق الإنسان، بيد أنك في خضم هذا النشاط المتظلل بالحق لا تسمع شيئًا عن الواجب؛ فترى ذلك الطالب المشاغب يركز على الأشياء التي ينبغي أن تُقدَّم إليه على الرغم من أنه يربك الفصل، ويتهرب من الواجبات التي تُطلب منه، ويضايق الطلاب المسالمين. وترى المرأة التي تلازم النكد مع زوجها، وتحرجه أمام أهلها، وتنتقده على أقل شيء.. تراها تتذرع بالحقوق، وتستخدم النفقة كغطاء لمطالباتها، على الرغم من أنك إذا دققت في حالها لوجدت لديها من سوء الخلق ما يُعتبر المشكلة، وليس أنها لم تحصل على حقوقها المزعومة، بل إنها تتنصل من واجبات عليها كمساعدة زوجها، والشفقة عليه، وإعطاء الأولوية للبيت وليس لمن هم خارج البيت. وترى ذلك الموظف الذي يعارض مديره في كل شيء تراه يغضب على أي زيادة يسيرة أو مهمة كُلف بها في العمل، ومستعد لتقديم شكوى متذرعًا بالحق.
إن مثل هؤلاء إذا دققت في شكاواهم لوجدت أن كثيرًا منهم قد أغفل واجبًا عليه.
إن الحق ليس شيئًا في الهواء، لا بد أن تحصل عليه كلما طالبت به، وليس شيئًا يسير وحده، بل هو والواجب صنوان، يسيران مع بعضهما.
إن توجيه الإنسان طاقته للمطالبة بالحق يصرفه عن العمل. عليه أن يركز على الواجب الذي ينبغي عليه، فإذا فاته حق فإنه يطالب به. إن هناك من يستخدم الصوت العالي وإدخال الآخرين أو الاتكاء على الجانب الإنساني؛ فيبدو أنه على الحق. أعتقد أننا بحاجة إلى جمعيات واجبات إنسانية، تذكِّر الناس بما ينبغي عليهم وهم يطالبون بحقوقهم، وأن عليهم أن يلتزموا بواجب الصدق عند المطالبة، وأن لا يزيحوا خصومهم. كما أن على منظمات الحقوق أن تدرج الواجبات الممكنة مع كل شكوى تناقشها، وأن توضح حدود المطالبة، فلا يتجاوزها من يطالب. عندها تأتي الحقوق تباعًا كما قال الحكيم والفيلسوف الهندي المهاتما غاندي: «إن المصدر الحقيقي لكل الحقوق هو الواجب؛ فإذا قام كل منا بواجبه فإن الحقوق سوف تتوطد من تلقاء ذاتها؛ فالعمل هو الواجب، والحق هو ثمرته».