يظل شهر رمضان المبارك في حياة الكثير من اWلناس عنواناً للزمن الماضي الجميل، فهو شهر خصوصيته تربطنا بما مضى من تلك الأيام التي تهفو إليها النفوس حنينا ،مع إدراكنا أنها قد ذهبت بلا رجعة. وحين يعود شهر رمضان فإنه يُجسد أمام أعين من كُتبت لهم الحياة صور أولئك الراحلين من الأقارب والجيران والزملاء.
رمضان المبارك هو وحده الذي يعيد لنا صور الماضي القريب الذي عشنا أيامها ببساطة وأمل، وكأنه حالياً يفصلنا عن تلك الصور قرن من الزمن بفعل المتغيرات الاجتماعية الهائلة والانتقال من حال البساطة والترابط والتآلف إلى أحوال مختلفة وغريبة. والذين عايشوا أيام وليالي رمضان في القرى والهجر قبل30 عاما لم يتبق لهم حالياً إلا استرجاع ذكريات تلك الأيام السعيدة.
كان رمضان إذا أهل سابقا أدخل السعادة والبهجة في نفوس الصغار فيجمعهم بالكبار في المساجد والطرقات إليها وفي جلسات القهوة بعد التراويح مجتمعين حول أضواء الفوانيس أو وهج الإتريك عند من يمتلكها.
في طريب والمناطق المجاورة له كان لقدوم رمضان تأثير واضح على حياة الفلاحين؛ فبقدومه ترى الناس يزاولون أعمالهم من بعد صلاة الفجر إلى قبيل صلاة الظهر وبعدها يخلدون للراحة لمدة ساعة، وقد تزيد تحت ظلال الأشجار أو جدران المنازل وحيطان البساتين التي لا تخلو منها قرية آنذاك. وكان لرمضان بوادي طريب لون مختلف إذا جاء، والنخيل تطرح أجمل ألوان الرطب وشجرات الرمان بأغصانها المثقلة بالثمر تلامس الأرض أحياناً وكأنك ببساتين رمان الطائف، ناهيك عن دوالي العنب حول بعض الآبار وداخل البساتين فلا تخلو منه موائد الجيران بليالي رمضان.
رمضان المبارك يحمل معه دوما البشرى بعودة الغائبين عدا من غابوا عن دنيانا، وكم فقدنا منهم كل عام قبيل دخول رمضان -رحمهم الله- فلم يدركوه وأدركناه ولا ندري متى نلحق بالراحلين.
رمضان دوماً هو موسم الخيرات والصدقات والزيارات والعطف على من يستحق الشفقة ومن يسعى جاهدا لتوفير متطلبات أبنائه الصغار، وهنيئاً لمن أسعد المحتاجين وخاصة الأطفال برمضان.
رمضان الجديد هو رمضان القديم بقدسيته وروحانيته وفضله، ولكنه كلما عاد إلينا وجد أعمارنا وملامحنا وأماكن سكنانا قد تغيرت وتبدلت وقد تناسينا أصدقاءنا وهجرنا أقاربنا بلا أسباب تستحق القطيعة.
يعود إلينا الشهر المبارك فيجدنا نقطع المسافات مهرولين في رحلة العبور التي لا يعلم نهايتها إلا الله تعالى.
إن السحر برمضان لا يشبه غيره في سائر الأوقات، وربما لا يعلم الكثير أن آباءنا وأجدادنا كان يستهويهم أول السحر خاصة برمضان فيتبتلون بركعتين أو أكثر ثم يحتسون القهوة إلى طلوع الفجر الصادق، وهي عندهم أهم من غذاء السحر فيومهم شاق وطويل.
تقبل الله منكم الصيام والقيام ويجمعنا السحر.