{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} هكذا خاطب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم مبرزاً خلقاً من أخلاق النبوة التي تعتلي قمة القيم الأخلاقية التي أرسى النبي صلى الله عليه وسلم دعائمها من خلال سيرته العطرة. وكان للمخالفين له الذين آذوه وناصبوه العداء نصيب وافر من رحمته فلم يدع على أهل مكة بالهلاك العام وهو في أحلك الظروف، بل كانت نظرته أبعد (أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)، فقلبه الرحيم لا يرضى استئصالهم بل يطمع في هدايتهم وهداية ذراريهم، ويتكرر المشهد مع قبيلة دوس لمّا طلب منه أحد أصحابه أن يدعو عليهم لعدم إيمانهم فقال: (اللهم اهد دوسا وائتني بهم مسلمين). ومن رحمته بمخالفيه وأولادهم زيارته للغلام اليهودي الذي كان يخدمه وإسلامه على يديه صلى الله عليه وسلم وهو في آخر رمق.
أما رحمته عليه الصلاة والسلام بأمته فهو أمر يطول ذكره وقد ظهرت آثار ذلك في جميع الجوانب ففي جانب التشريع لم يخير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما رحمة بأمته، بل نهى عن السؤال عما سكت عنه خشية أن يفرض على الأمة ما يثقل على أفرادها. وتجلى خلق الرحمة عنده عليه السلام في معاملته للمرأة والوصية بها خيرا، كما كان أرحم الناس بالأطفال وكان يلاطفهم ويتحبب إليهم ويخالطهم، ويصدق ذلك أيضاً في حق الخدم والضعفاء. بل تعدت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم عالم البشر إلى عالم الحيوان فقرر للحيوان حقوقاً قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وكل ذلك بوحي من الله تعالى فإن نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود
adelalshddy@hotmail.com