على شُرْفَةِ الماضي وبَوّابةِ الآتي
وَقَفْتُ على الحَدَّيْنِ أبحَثُ عن ذاتي
أُسائلُ عنها كلَّ غادٍ ورائحٍ
وأَذْكُرُ مِن أوصافِها بعضَ آياتي
أقُولُ لَهُمْ: هل ثَمَّ ذاتٌ شريفةٌ
عليها من الأهوالِ ثوبُ معاناةِ؟!
طويلةُ أحزانٍ! قصيرةُ فرحةٍ!
هزيلةُ أطماعٍ! عريضةُ غاياتِ!
مُبَعثَرَةٌ شوقاً تُحَدِّثُ نَفْسَها
وتَقْضي دُجَاها في مُنَاجاةِ أَمواتِ
وتَزعُمُ وَهْماً أنّ طيفاً يزورُها
وأنّ لها درباً لبابِ السماواتِ
إذا الليلُ وافاها أراقَتْ دموعَها
وإنْ أشرَقَ الإصباحُ غَنَّتْ بأبياتِ
تُجِيدُ مُداراةَ الدموعِ، وتارةً
تُرائي وتَبدو في الورَى بابتساماتِ!
تُحِبُّ جميعَ الناسِ حتى الذين لم
يُحِبُّوا لها إلا لئيمَ الإساءاتِ
وتَحيا على نَفْحِ المحبةِ إن سَرَى
وتَمْرَضُ إن هَبَّتْ رياحُ العداواتِ
«وقَفتُ وما في [البؤسِ] شَكٌّ لواقفٍ»
أُسائلُ عني في دروبِ انكساراتي
على كَتِفي أشلاءُ حُلْمٍ مُمَزَّقٍ
ومِزْوَدَتي تَحْوي بَقِيَّةَ أشتاتي
يَمُرُّ عليَّ العابرونَ وكلّما
سَألتُهُمُ عني اسْتَخَفُّوا سُؤالاتي!
وتَرْمُقُني بعضُ العيونِ كأنّما
تُخَبِّئُ عن عينِي أليمَ الإجاباتِ!
وها أَنَذا باقٍ على حَدِّ حَيرتي
ولا خَبَرٌ عني يُسَكِّنُ رَوْعاتي
فَرَشتُ على الحَدَّيْنِ نصفَ عِمامتي
وبالنصفِ ضَمَّدتُ انثِعابَ جِراحاتي
ومِلْتُ على جنبِي فقيراً مُشَرَّداً
وقلتُ لقلبي: هاتِ ما تشتكي هاتِ
مضَى زَمَنٌ لم ألتحِفْ غيرَ شِقوَتي
ولم أَتَوَسَّدْ غيرَ طولِ انتظاراتي
وفَتّشتُ عن كلِّ الذينَ أُحِبُّهُمْ
ونادَيتُ لكنْ ما أجابوا نِداءاتي!
تَجَرّعتُ في هذا الشَّتاتِ مَرارتي
وأَنْكَرتُ وجهي في صفاوَةِ مِرآتي!
أَمُدُّ يَدِي للعابرِينَ، وأنزوي
بوجهي، وأشري بالهوانِ مواساتي!
يَجُودُ عليّ المحسِنونَ بِكِسْرةٍ
وهذا إدَامِي المُرُّ مِن زيتِ مِشْكاتي!
معي مِن بقايا الأمسِ ومضةُ خافِقٍ
أُناجي بها في الليلِ عَذْبَ المُناجاةِ
وصورةُ أمي وهْي تَمْسَحُ أدمعي
وتَرتَعُ بي في حِجْرها بينَ جَنّاتِ
وصوتُ أبي إذْ يَصطفيني بنُصحِهِ
ويتلو على سمعِ المَدَى بِضْعَ آياتِ
أنا ها هُنا لا شيءَ أخشَى ضياعَهُ
أبعدَ ضياعِ العُمْرِ أخشَى على شاتي؟!
سأَبْقَى على الحَدَّيْنِ نِصْفي لِمَا مَضَى
ونِصْفي لما يأتي وما ليسَ بالآتي
- د. فواز بن عبدالعزيز اللعبون