السياسة جزء أساس من الثقافة الكل، والإشكال يكمن حينما يسيطر الجزء/السياسة على الكل/الثقافة وحينها تبقى الثقافة أسيرة بين يدي السياسي، لأن الخطاب السياسي هو خطاب براغماتي بينما خطاب الثقافة هو خطاب فلسفي، والنفعية حينما تتحكم بالتفلسف فإن النتيجة ستكون ساحقة للعقل الفلسفي ودامغة له.
ولأجل أن تنمو الثقافة في محيط فسيح يضمن لها التطور والتغيير و التفاعل مع الوجود فإنه يتحتم على السياسة ألا تتدخل في خطاباتها وأن تحترم كينونتها، وأن تتحول من كونها مسيطرةً عليها إلى كونها حاميةً لها أو أن تبقى في أقل أحوالها بمعزل عن الخطاب الثقافي، وهذه العزلة ليست حصرًا على السياسة بل تتعداها إلى كل السلطات الأخرى كسلطة المجتمع وسلطة الدين بيْدَ أن السلطة السياسية هي الخطر الأكثر تأثيرًا لأنها تملك مكونات ومسارات الخطاب الثقافي الكامنة في المؤسسات الثقافية، وقد حلل هاته العلاقة الشائكة بين السلطة والثقافة أو ما سماها فوكو (الحقيقة) حينما اعتبر السلطة السياسية تسعى إلى الهيمنة، وتريد إخضاع القانون والحقيقة لها، وبالتالي فإنه يعتبر السياسة لا تنفك عن حالة حرب، فهي خطاب حربي مهيمن على كل علائقه (يجب الدفاع عن المجتمع ص50).
وبما أن السلطة تسعى إلى إخضاع الثقافة لها فإننا نسعى -كمناوئين للخطاب السياسي- إلى مؤسسات مدنية مجتمعية تتماس مع الثقافة دون وسيط سياسي، شريطة أن يكون ممثلوا هاته المؤسسات بمنأى عن العمل السياسي، باعتبار السياسة سلطة مهيمنة و العضو في السياسة أيضا بالضرورة يتعامل بعقل مهيمن على الثقافة، والمؤسسة المدنية المجتمعية ترفض الخضوع لغير الثقافة ذاتها.
كما أننا -كمناوئين للهيمنة السياسية- نحيّد السلطة السياسية على المثقف ذاته الذي يُعتبر منتجًا للثقافة ومتماس معها بشكل مباشر، و لا يمكن لنا أن نتصور مثقفًا يلتحف بغطاء سياسي أن يبدع ثقافةً شاسعة تتجاوز الخطاب الأيديولوجي الذي تُخضعه السياسة. فالخروج من الهيمنة السياسية ينبغي أن تتجاوز العمل الثقافي المؤسسي وكذلك العمل الثقافي الفردي، ولا يعني هذا أن تحول الخطاب السياسي عدوًا لها بقدر ما تزيحه عن مكوّنات الإنتاج الثقافي أو عن العقل الفلسفي الذي ينتج الثقافة.
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @