واجه أوديب في طريقه إلى طيبة سؤالًا مصيريًا طرحه أبو الهول في محاولة منه لصده عن دخول المدينة-كما كان يفعل مع كل نوى دخولها- ورغم أنه لم يكن سؤالًا شخصيًا يتعلق بأوديب، إلا أنه حدد مصيره بدءًا من اعتلائه سدة الحكم وانتهاءً بقتله لأبيه!
لم يكن أبطال رواية خالد حسيني (بترجمة يارا البرازي عن دار دال -دمشق 2014) أحسن حالًا من أوديب، إذ كان على كل واحد منهم أن يواجه سؤالًا مماثلًا، ظل يتردد صداه على امتداد صفحات الرواية. فبابا أيوب مثلًا وقف عاجزًا والحيرة تلتهمه حين كان عليه أن يضحي بأحد أبنائه ويقدمه للغول، وحتى بعد أن تمكن من الوصول إلى مغارة الغول (الأمر الذي لم ينجح أو لم يقدم عليه أحد من قبل ما يجعله مقابلًا لأوديب) لم يستعد ابنه، وتركه لدى الغول مقررًا أن ذلك أفضل له، وظل يسمع صدى ضحكته حتى مات. ولم يكن سرد سابور لهذه القصة عبثًا، فقد اختار أن ينهج نهج بابا أيوب، متخليًا عن ابنته باري ذات السنوات الثلاث لعائلة غنية بمقابل مادي، جاعلًا منها الفادي الذي ستتمكن العائلة بفضله من النجاة من الموت.
اختارت بروانة أن تترك أختها المقعدة في العراء -بناءً على طلبها-لتواجه كل واحدة منهما مصيرها، فالأخت ستغدو فريسة سهلة للسباع، بينما بروانة ستحاول بدء حياة جديدة، وإن لم تكن سهلة، مع سابور، ووعدت أنها لن تلتفت لأختها حتى إن نادتها لتتمكن من المضي في «الحياة الجديدة» حتى النهاية. خاصة إن سابور كان فتى أحلامها لكنه اختار الأخت للاقتران بها قبل أن تسقط من الشجرة وتصاب بالشلل، لتصبح بروانة هي البديل. فهل كانت أمينة في تحقيق رغبة أختها، أم أكثر أمانة في تحقيق رغبتها هي دون الاكتراث كثيرًا بالعواقب؟
ظل سؤال الوجود يراود كل شخوص الرواية الذين لا يبدو أن هناك ما يجمع بينهم إلا أفغانستان و»نبي»، الرجل الذي كان يربطهم جميعًا ويرتب حكاياتهم، فقد جمع الخيوط كلها وحاك منها سجادة تظهر فيها الوجوه المعذبة بالشتات والغربة والفقر والظلم. ربما يفعل ذلك تكفيرًا عن اختياره للهرب من العناية بأخته المقعدة، وتكفيرًا عن وساطته في بيع باري، الأمر الذي ظن أنه سيقربه إلى زوجة سيده التي أحبها بصمت لسنوات، لكنها اختارت اصطحاب باري إلى باريس عندما أصيب زوجها بالشلل، ملقية بأمر الاعتناء به على نبي، وكأنه يدفع ضريبة تخليه عن أخته سابقًا، لذا كان يقوم بعمله هذا بحب، حتى حين خنق سيده بمخدته (باتفاق سابق بينهما) ظانًا أنه يمنحه الراحة ولم يكن يبحث عنها لنفسه.
لا يسلم أحد منا من أسئلة كهذه في حياته التي يكابدها، ولا بد من إجراء حسابات (ليست بالضرورة بلغة الأرقام فقط) تضمن لنا النجاة بأقل الخسائر، لكن إلى أي مدى سنتمكن من أن ننسل من الشعور بالذنب مثلما
تسل شعرة من عجينة- رغم أنها لا تخرج دون آثار عالقة بها، كما أنه ليس هناك ضمانات أننا سنفعل-وهل تكون نجاتنا على حساب آخرين إثمًا أو حقًا مشروعًا؟ سؤال سيظل يتردد صداه بعيدًا!
- بثينة الإبراهيم